لا أتذكر أن فيلما لعب دورا في إسقاط رئيس وإنجاح آخر، مثل الدور الذي لعبه “كل رجال الرئيس”.
فالفيلم قد عرض في الولايات المتحدة قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية (نوفمبر ١٩٧٦) بأشهر قليلة.
وإذا كان جيرالد فورد قد سقط في هذه الإنتخابات، وكان بذلك أول رئيس أمريكي يفقد كرسي الحكم وهو في الحكم منذ فوز روزفلت علي الرئيس “هوفر” في انتخابات ١٩٣٢، فلأن اسمه اقترن بالحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه نيكسون الذي ورط البيت الأبيض بفضيحة ووترجيت، تلك الفضيحة التي ليس لفيلم “كل رجال الرئيس” موضوع سواها.
ومن المعروف أن هذا الفيلم مأخوذ عن قصة تحمل نفس الإسم ألفها صحفيا الواشنطن بوست بوب وودوارد (لعب دوره روبرت ريدفورد) وكارل برنشتين (لعب دوره داستن هوفمان) وذلك من واقع تجربتها التي كللت بالنجاح…. باستسلام نيكسون وخروجه من الرئاسة مستقيلا.
وقد أعاد المخرج “ألان باكيولا” في الفيلم بناء الماضي القريب في أحداث ووترجيت وأراه يقترب من التسجيلي أو يكاد.
ومما يثير الدهشة والإعجاب معا عند مشاهدة الفيلم، أن صاحبه قد التزم خط الفضيحة كما رسم في في قصة “كل رجال الرئيس” وكما استمتع بها الملايين الذين أقبلوا علي قراءتها، إثر فوزها بجائزة “بولتزر“ تتويجا لوقفة مؤلفيها الشجاعة في مواجهة فساد واستبداد سلطة تريد أن تكون فوق القانون.
ولو لم تكن “ووترجيت” تاريخا قريبا جدا، لذهب بنا الظن إلي أن “كل رجال الرئيس” فيلم بوليسي يقوم علي الإثارة والتشويق…من تلك الأفلام ذات النهاية السعيدة ينتصر فيها الأخيار علي الأشرار وهم في الفيلم رجال السلطة بزعامة نيكسون وقت أن كان رئيسا.
و”كل رجال الرءيس ” يبدأ يوم ٣٠ يناير ١٩٧٢ والشاشة مزدحمة بنيكسون وهو يغادر طائرته الهيلوكوبتر متجها إلي مبني الكابيتول ليحلف اليمين بعد انتخابه للمرة الثانية في نوفمبر ١٩٧٢ رئيسا للدولة الأعظم ثم وهو يدخل المبني وأعضاء الكونجرس والمحكمة العليا ومجلس وزارته له وقوف مهللين مكبرين. وينتهي به وقد تقلص في نفس المبني إلي صورة صغيرة يصفق لها رجال السلطات الحاكمة الثلاث، صورة حبيسة جهاز تليفزيون بقاعة التحرير بدار الواشنطن بوست وإلي يساره نري الصحفيين: “وودوارد وبرنشتاين“ وهما يدونان علي الآلة الكاتبة مقالا لهما عن الفضيحة التي يكون في نشر أسرارها القضاء علي هذا الرجل الذي نشاهده صغيرا علي الشاشة الصغيرة وهو يحلف اليمين بعزم وإيمان الواثقين!
وبين هذين المشهدين المدهشين، يعود بنا الفيلم إلي ماض قريب….. إلي يوم ١٧ يونيو ١٩٧٢، فإذا بنا وأمامنا خمسة من اللصوص يضبطون متلبسين ومعهم أدوات تصنت متقدمة بمبني ووترجيت بواشنطن، حيث مقر القيادة القومية للحزب الديموقراطي….. حزب المعارضة.
ثم تمر أحداث الفيلم متصاعدة في إيقاع سريع لنكتشف أن اللصوص ليسوا لصوصا، فمن وراءهم رجال الرئيس الذين وظفوهم لأداء مهمة قذرة، هي التجسس علي المعارضة لحساب الرئيس وبعلمه !!
و”كل رجال الرئيس” يقف في عرضه لفضيحة ووترجيت عند ٣٠ يناير ١٩٧٣ في حين أن الكتاب يستمر في سرده لأحداثها عاما آخر ……عاما لا يصمد فيه من رجال الرئيس أحد، الكل ينهار…يسقط… ويجر معه في الإنهيار والسقوط الرئيس نيكسون الذي يصل به الهوان إلي أن يقول أمام حشد من المحررين علي أرض ديزني بولاية فلوريدا وفي مواجهة عيون كاميرات التليفزيون التي لا ترحم “أنا لست محتالا” وبعد ذلك بأيام معدودات يستقيل لثبوت أنه محتال!!