في شبه إجماع أدان النقاد فيلم “بلبل حيران” أوسعوه ذماً وعلى النقيض من ذلك كان موقفهم من “ابن القنصل” و”زهايمر” غالوا في الإشادة بهما، وكيل المديح.
والأفلام الثلاثة جرى طرحها في دور السينما بطول وعرض البلاد بمناسبة العيد ووقتها كنت بعيداً عن أرض الوطن، تحديداً في ربوع المانيا وعندما عدت قرأت ما كتب عن الأفلام الثلاثة وبعضه كان قدحاً في “بلبل حيران” بطولة أحمد حلمي، وبعضه الآخر كان مدحاً في كل من “ابن القنصل” بطولة أحمد السقا وخالد صالح و”زهايمر” بطولة عادل إمام.
وجدتني بعد القراءة، مدفوعاً عقلاً ومنطقاً إلى مشاهدة الفيلمين اللذين كانا محل اطراء جمهرة النقاد على نحو غير مسبوق حتى أن ناقداً جنح به الغلو في المديح إلى اطلاق لقب عريس أفلام العيد على “عمرو عرفة” مخرج “زهايمر”.
وفي تماديه في غلو المديح أسبغ على عادل إمام لقب “زعيم الكوميديا” بلا منازع، ولسنوات طويلة قادمة، وكأنه على علم بالغيب أما عن أدائه التمثيلي، فقال من بين ما قال أنه وصل إلى أرقى درجات التفوق والاقتدار حيث اتسم بالموضوعية والجدية والروح الكوميدية مع البعد عن المبالغة، وكان من بين ما خلص إليه من كل هذا الثناء أن أداء النجم الزعيم وقد جاء مختلفاً عن أي أداء في أفلامه السابقة جملة وتفصيلاً فأنه من ثم يستحق عنه جائزة الأوسكار!!
اللافت في فيلمي “السقا” و”امام” أنهما وعلى غير المعتاد لنفس المخرج، أي لعريس أفلام العيد ولن أقف عند فيلمه “ابن القنصل” إلا قليلاً لا لسبب سوى أنه من ذلك النوع من الأعمال السينمائية الضحلة، التي لا تقول شيئاً فكل ما فيه زائف غير مستمد من واقعنا غير قريب إلى أنفسنا بالعكس كل ما فيه غريب عن نفوسنا أقرب إلى نفوس من اعتادوا العيش في مدن يعيث فيها الشيطان فساداً مثل لاس فيجاس، وغيرها من مدن الكلمة العليا فيها للغشاش والنصاب والمحتال.
يبقى فيلم “عرفة” الآخر وابدأ بالسيناريو لأقول أنه غير محكم البناء يكاد يكون سيناريو لفيلمين مختلفين أشد اختلاف لا رابط بينهما سوى نجم النجوم، ومرض عضال، فالفيلم فيما يعادل نصفه الأول يدور موضوعه وجوداً وعدماً حول رجل أعمال واسع الثراء “عادل امام” وجد نفسه فجأة محاصراً، كل من حوله يصور له أنه يعاني من مرض خطير أفقده الذاكرة رويدا، وانطلاقاً من شكه فيما يقال له عن مرضه هذا حاول بشتى الطرق فك الحصار وصولاً إلى اليقين، وبمشيئة الأقدار أفلح بالصدفه في الافلات عندما اكتشف أنه ضحية مؤامرة من تدبير ابنين عاقين أرادا بها أن يثبتا أمام القضاء أنه مريض بخرف الشيخوخة، لا يعرف من أمر نفسه شيئاً حتى يستصدرا حكماً بالحجر عليه، يتيح لهما الاستيلاء على ثروته الطائلة والتصرف فيها بما يحقق مصالحهما، ومن بينها سداد ما عليهما من ديون إذا لم يتم سدادها كان اعلان افلاسهما فالسجن وبئس المصير، وما أن يعرف الأب بأمر مؤامرة الأبناء حتى يتخذ السيناريو مساراً آخر مشوباً بكاريكاتورية زاعقة، مدعاة للرثاء فها هو الأب يدبر ضد ابنيه مؤامرات ومقالب قوامها الادعاء بأنه مريض فعلاً بالداء العضال.
مع هذا التغيير في المسار انحدر الفيلم إلى مستوى ليس ثمة ما دونه، ومع نهاية بائسة خرجت من دار السينما وقد عقدت العزم على ألا أشاهد “بلبل حيران” مضحياً بذلك بإحدى هدايا العيد!!