كنت سعيد الحظ، فما أن عدت من المانيا، بعد أسبوعين قضيتهما في ربوعها، حتى وجدتني أشاهد مدينتي “ڤينسيا وسان فرانسسكو” بجمالهما الخلاب في فيلمين.
أحدهما “كازانوفا” لصاحبه المخرج السويدي “لاس هولسترم”. والآخر “أشبه بالنعيم” لصاحبه المخرج الامريكي “مارك ووترز”.
وأستطيع أن أقول أنني، بفضل مشاهدة الفيلمين في القاهرة، قد زرت المدينتين، مرة أخرى.
انجاز السينما
وهنا تتجلى عظمة السينما على حقيقتها، أصبحت هي التي تعرض علينا كل الروائع الفنية، أينما كانت، دونما حاجة إلى قطع المسافات الطوال، مثلما كان الحال في سالف الزمان.
وڤينسيا، كما شاهدتها في “كازانوفا” ليست ڤينسيا المعاصرة، التي زرتها أكثر من مرة مشدوهاً بقنواتها ينساب فيها الجندول، وبقصورها ومتاحفها، ودور عبادتها وآيات من الفن الرفيع تزدان بها الميادين والخلجان.
أيام زمان
وأنما “ڤينسيا” منتصف القرن الثامن عشر (1753) حيث كان يعيش “كازانوفا” زير النساء الشهير ويؤدي دوره “هيث ليدجر”، ذلك النجم الصاعد والذي كان مرشحاً لجائزة أوسكار أفضل ممثل رئيسي عن أدائه في فيلم “جبل بروكباك”، الفائز مبدعه “انج لي” بجائزة أوسكار أفضل مخرج.
ومما يعرف عن ذلك الزمن الموغل في القدم أنه كانت محاكم التفتيش تعيث في أرض ايطاليا فساداً وإرهاباً، باسم حماية حسن الآداب من مرتكبي الفحشاء.
فسق ومجون
والفيلم يبدأ “بكازانوفا” متهماً بممارسة الفسق والفجور، مطارداً من شرطة “ڤينسيا”، تنفيذاً لأمر صادر من إحدى تلك المحاكم، بإلقاء القبض عليه حياً أو ميتاً. وأين نراه مطارد؟
لدهشتنا في دير للراهبات!!
وانطلاقاً من هذه البداية، بإيقاعها السريع، وجرأتها منقطعة النظير، تتلاحق الأحداث لاهثة، تنقطع لها الأنفاس.
قضاء المناسبات
فالمطاردة سرعان ما تنتهي بإلقاء القبض على “كازانوفا”، ومحاكمته أمام قاضي مناسبات، كان على وشك أن يصدر عليه حكماً بالإعدام، لولا حيلة أثارها في آخر لحظة صديقه أو حاميه “الدوج” حاكم ڤينسيا، فانتهت به حراً، طليقاً.
ولم تكن حريته مطلقة، بل مشروطة بتنفيذ أحد أمرين أحلاهما مر.
إما أن يغادر، وإلى الأبد، ڤينسيا المدينة الحبيبة إلى نفسه.
وإما أن ينخرط في سلك المتزوجين، الأمر الذي لابد وأن يحول بينه وبين اغراء النساء.
ولأنه لا يستطيع احتمال مرارة فراق ڤينسيا، فقد آثر الاستجابة لأمر الزواج. وها هو ذا، مع تابعه “لوبو” يبدأ عملية البحث عن حسناء، بتول، تصلح أن تكون له شريكة حياة.
اللقاء السعيد
في هذه الأثناء، يلتقي “بفرنشسكا” – وتؤدي دورها “سيينا ميللر” – وهي فتاة متحررة، تكتب تحت اسم مستعار، مؤلفات تدعو النساء إلى التحرر من رق الخضوع للرجال.
أما كيف كان اللقاء، وكيف وقع في حبها من أول نظرة، وكيف وقعت بدورها في حبه، دون أن تعرف أنه “كازانوفا” ذلك الشخص الذي كانت تمقته مقتاً شديداً.
وكيف انتهى بهما الأمر مطاردين من قبل مطران فظ غليظ القلب، ومبعوث “روما” لتطهير ڤينسيا من الفسق والفساد – يؤدي دوره، واسمه “بوتشي”، النجم المخضرم “جيرمي ايرنز” الفائز بأوسكار أفضل ممثل رئيسي “1990”.
معركة خاسرة
فذلك كله تحكيه حبكة معقدة بعض الشيء تذكرنا بحبكات مسرحيات كل من الأديبين الفرنسي “ماريفو” والايطالي “كارلو جولدوني”.
كالمعتاد، شأنه في ذلك شأن تلك المسرحيات، حكيت أحداث “كازانوفا” بأسلوب كاريكاتوري، فكاهي، القصد منه كشف النقاب عما في مجتمعات متزمتة من نفاق مستتر، بغيض.
والتدليل بشيء من المبالغة على أن محاربة الطبيعة الانسانية معركة مآلها الخسران المبين!!