سندريللا علي الطريقة الايطالية

أختتم قبل بضعة أيام، وفي نفس الوقت، موسم العروض الاوبرالية، فى كل من المسرح الصغير بالقاهرة، ومسرح المترو بوليتان بنيويورك

وكان الاختتام باوبرا “سيندريللا” وتنطق باللغة الايطالية “شينيرنتولا” !!
ballet

وهى من إبداع “جياتينو روسيني” (1792 1868)، ذلك الموسيقار
الايطالى الفذ الذى أبدع خلال عقدين فقط من عمره، تسعة وثلاثين عملا أوبراليا، أخص بالذكر من بينها “حلاق اشبيلية”، “عطيل”، “اليزابيث.. ملكة انجلترا”، “الايطالية فى الجزائر”، “موسى فى مصر” و “ويليم تل” التى تعد آخر ابداعاته الاوبرالية، اذ بعدها اكتفى بتأليف انواعا موسيقية أخري، من بينها اذكر اعمالا لموسيقى الحجرة، واعمالا للبيانو المنفرد، مثل مجموعته التى اطلق عليها اسم “خطايا الشيخوخة” واثناء الربع الأول من القرن التاسع عشر، حققت اعماله الاوبرالية نجاحا غير مسبوق أهله لأن يكون واحدا من اشهر الموسيقيى اوروبا، وبخاصة فى مجال فن الاوبرا، واكثرهم جاها وثراء

كما اهلت ذلك الفن لان يكون ان أكثر فنون ذلك الزمان جماهيرية، بفضل جمعها فى صعيد واحد سابقا بذلك فن السينما، وممهدا له فيما هو آت من أعوام.

واوبرا “سندريللا” تعد واحدة من أشهر أعمال “روسيني” الاوبرالية وأكثرها شعبية.

ابدعها ولما لم يكن له من العمر سوى خمسة وعشرين عاما وكان أول عرض لها على خشبة مسرح “فالية” بمدينة روما (1817).

وكما هو معروف فحكاية “سيندريللا” من صنع الخيال وبدءا من نشرها تعلقت القلوب ببطلتها على نحو ذاعت معه شهرتها بحيث كاد أن يكون اسمها على كل لسان.

وما لبثت أن ترجمة حكايتها إلى لغة الاوبرا فلغة البالية، بواسطة الموسيقار الروسى “سيرجييى بروكوفييث” ومع اختراع السينما، قبل بداية القرن العشرين بقليل، جرى ترجمة حكاية “سيندريللا ” إلى لغة السينما فى أكثر من فيلم

وبطبيعة الحال كان لافلام أستديوهات ديزنى بهوليوود الصدارة فى هذا المجال

فعلى امتداد النصف الثانى من القرن الماضى انتجت تلك الاستديوهات ثلاثة أفلام من بينها اثنان من نوع الكرتون أى الصور المتحركة.

أما ثالثها، وصاحبة المخرج الانجليزى “كينيث براناج” فلم يعرض بعد، والراجح طرحه للعرض فى مستهل العام القادم ومن بين ممثلاته اللاتى اسندت اليهن الادوار الرئيسية “حيلن بونام كارتر” و “كيت بلانشيت” السابق لها الفوز، قبل بضعة اشهر بجائزة أوسكار افضل ممثلة رئيسية عن ادائها فى فيلم “ياسمين الزرقاء” (2014) لصاحبه المخرج البارع “وودى الن”

وحكاية “سندريللا” كما تناولها “روسيني” فى الاوبرا تمس ادق المشاعر الانسانية من خلال حبكة درامية، روعى فى كتابتها أن تكون احداثها واقعية ليس فيها من شطحات الخيال إلا أقل القليل فكان أن كادت تخلو الاوبرا من آثار العالم المسحور التى تعج بها حكاية “سندريللا” كما الفناها مكتوبة أو مترجمة إلى لغة البالية أو السينما أو غير ذلك من اللغات.

فلا العربة الزجاجية بجيادها المطهمة التى تجئ بعصا سحرية إلى حيث تقيم “سيندريللا” لتذهب بها إلى قصر الأمير حيث الحفل الراقص، تتنافس فيه الحسنوات على جذب نظر صاحب القصر، عسى ولعل يقع اختياره على أحداهن لعقد قرانه عليها ولا الحذاء الزجاجى الذى تفقد “سندريللا” أحدى فردينته وهى تهرول مغادرة الحفل، قبل منتصف الليل ولا أى شئ آخر له صلة بمفردات الخيال الجامح حيث تملك بعض الشخوص قدرات سحرية، بعيدة عن الواقع الذى يعيشه الناس.

فاحداث الاوبرا تقع فى مكان واقعي، وتحديدا مدينة “ساليرنو” الساحلية فى جنوب ايطاليا وبطلها ليس مجرد امير شاب وسيم، بل أمير تلك المدينة الصغيرة، المطلة على البحر.

وختاما، فما يراد قوله أن اوبرا سندريللا على نقيض النسخ المختلفة لحكاية سيندريللا مكتوبة اكانت أم مرئية أنها باختصار قد انفردت بواقعيتها على غير المألوف مما هو معروف عن حكاية رومانسية يغلب عليها الخيال.

صعود وارتقاء مخرج عربى وحيد نوعه

عادة ما يكون الفيلم الاول دالا علي ما اذا كان مخرجه يمتلك موهبة اصيلة، تؤهله فيما هو قادم من أيام، إلى ان يضيف شيئا جديدا إلى لغة السينما.
Abdellatif Kechiche

ولقد أكد »عبداللطيف قسْيسَ«، ذلك المخرج الفرنسى المنحدر من أصل تونسي، انه يتحلى بتلك الموهبة النادرة بدءا من فيلمه الاول «ڤولتير هو الغلطان» الذى ابدعه، قبل أربعة عشر عاما مضت.

فما أن جرى عرض فيلمه هذا، حتى أحدث دوياًفى الاوساط السينمائية ووصل صداه إلى مهرجان ڤينيسيا العريق (2000)، حيث فاز بجائزتى «سينما
المستقبل» و «لويجى دى لاورنتيس»، تلك الجائزة المكرسة لتخليد ذكرى المنتج الايطالى الشهير ولا غرابة فى ان يبهر الفيلم
لجنة تحكيم ذلك المهرجان فموضوعه، على غير المألوف فى الافلام التى تتناول أحوال المغتربين سواء فى فرنسا أو فى غيرها من البلاد La Faute à Voltaireالاوروبية، لم يعرض للظروف المعيشية التى يعانى منها من غادروا أوطانهم، بحثا عن حياة انسانية أفضل.

وانما عرض لمعاناة من صنف آخر، كيف يتعامل المغترب مع مجتمع مختلف تماما عن المجتمع الذى ولد فيه، ومارس الحياة فيه، بحلوها ومرّها سنوات طويلة من عمر الزمان.

فبطل الفيلم، واسمه «جلال» تبدأ به أولى اللقطات، وهو يستمع بآذان صاغية لنصائح اعمامه بالا يكون صادقا عند ادلائه بأقواله امام رجال السلطة الفرنسية، حتى يستطيع الحصول على ڤيزا بالاقامة المؤقتة فى ربوع فرنسا فهو تونسي، ولكن عليه ان يقول كذبا انه جزائرى طالبا اللجوء السياسي، فجأة بنفسه من الاضطهاد الذى تمارسه السلطات الجزائرية، ضد المعارضين للنظام.

وهو ليس على باله مباديء الثورة الفرنسية، المنادية بالحرية والمساواة والاخاء.

ولكن عليه ان يداهن مستجوبيه، فيركز على ايمانه بتلك المباديء، القائمة على احترام حقوق الانسان.

وعليه ان يضع فى الاعتبار ان الفرنسيين انما يتوهمون انهم هم من اخترعوا الحرية، وانهم مولعون حقا بحقوق الانسان، ويكنون لها كل الاحترام هكذا يبدأ الفيلم بتلك الاكاذيب يتفوه بها «جلال»، ويحصل بفضل ذلك على الفيزا المؤقته.

ويحكى سيناريو الفيلم، كيف عاش حياته فى مجتمع كل ما فيه غريب، لم يألفه اثناء حياته فى وطنه الام.

وتنتقل الأحداث «بجلال» من واقع غريب إلى واقع اكثر غرابة، إلى ان ينتهى الامر، بختام يبدو فى الظاهر انه مفاجيء، ولكنه، متوقع، وسائغ من منطلق تسلسل الاحداث على نحو فيه من الوان العبث الشيء الكثير وكان فيلم ؛قشيش» الثانى واسمه «الاعيب الحب والصدفة» (2003) مؤكدا انه صابح موهبة اصيلة، وآية ذلك فوزه، هو ومخرجه بجائزة «سيزار» الفرنسية، التى تعادل جائزة الاوسكار.

ولم تمض سوى أربعة أعوام الا وكان قد فاز فيلمه الثالث «حبات القمح والسمك» مع مخرجه مرة ثانية بجائزة سيزار واثناء عام (2010) جرى عرض فيلمه الرابع «ڤينوس السوداء» الدافع للعنصرية التى كانت سائدة فى المجتمعات الاوروبية، رغم المباديء الثلاثة «حرية» مساواة واخاء ثم يتوج كل ذلك، بفوز فيلمه الخامس «حكاية اديل» أو «الازرق اكثر الالوان دفئا «بسعفة كان الذهبية» (2013).

وهكذا، قضى الامر، وانتهى اللغط حول من هو أفضل المخرجين العرب جميعا.

انه «عبداللطيف قشيش»، صاحب تلك «الروائع الخمسة»، وكل واحدة منها تعتبر اضافة قيمة للفن الاكثر جماهيرية!!

واختارت السينما الهندية سكة السلامة

الي عهد قريب كان يطلق على السينما الهندية سينما المخرج الواحد

ويقصد بذلك المخرج الذى اختذلت فيه السينما الهندية “ساتيا جيت راي”.
Satyajit_Ray

ففيما عدا افلامه التى يعد آخرها من روائع السينما العالمية، كانت أفلام
غيره من مخرجى السينما الهندية، فى معظمها يغلب عليها طابع الرقص والغناء مصحوبين بحكاية تافهة لاتقيم وزنا للواقع الذى تعيشه الأغلية المطحونة بالبؤس، المسكونة بالخوف من استمرار خطر الاعداء الثلاثة.. الفقر والجهل والمرض، فى ربوع شبه القارة الهندية، المترامية الاطراف.

وكان لمفارقة “راي” الحياة، قبل حوالى 22 عاما، وتحديداً عام 1992، وقع الصاعقة على الأوساطة السينمائية شرقاً وغربا.

رأت فيها نذير شر مستطير، يتهدد مستقبل السينما الهندية، فيما هو قادم من ايام غير أنه، وعلى عكس المتوقع، لم نمض سوى بضعة اعوام، إلا وقد اخذت السينما الهندية فى الإزدهار

فبفضل عدة عوامل استجدت فى ساحة تلك السينما اذكر من بينها.

اولا: التخلص من الكثير من الموانع الرقابية، مثل خطر أى عرض لمظاهر الفقر، على نحو يسيء لسمعة البلاد، ومثل تبادل القبلات الغرامية فى مشاهد الحب والهيام، حفاظا على حسن الآداب، بعدم خدش الحياء!!

ثانيا: الانفتاح على السينما العالمية، دون اية عوائق، وعلى نحو غير مسبوق فى تاريخ سينما، اختارت العزلة، حماية للسوق الداخلى من المنافسة الاجنبية.

ثالثا: ظهور كوكبة من السينمائيين الشبان الذين كان للأفلام التى أبدعها “راي” قبل رحيله، تأثير كبير على رؤياهم لفن السينما.

وسرعان ، ماظهرت. بفضل تلك المستجدات بشائر سينما هندية جديدة، كاشفة لحقائق الحياة الاساسية التى يعنى بها ، ويتصارع معها عامة الناس على امتداد شبه قارة، تعج بتموجات الحياة وتقلباتها بشائر روح جديدة، ترمى الى الخروج بالسينما الهندية من دور الجمود والتقليد الى دور الابتكار فى جميل المعانى والاساليب.

وكان من اولى تلك البشائر الفيلم الهندى الانجليزى المشترك “كلب العشوائيات المليونير” (2008) حيث تدور الاحداث فى “مومباي” اكثر مدن الهند ازدحاما بالسكان، وحيث تكاثرت العشوائيات يعيش فيها الناس كالجرذان.

ولانه كان فيلما صادقا، صور الحياة فى عشوائيات “مومباي” وضواحيها بدون رتوش وتزييف خرج من مضمار التنافس على جوائز اوسكار فائزا باكثر من جائزة ، على رأس جائزة افضل فيلم.

ولن اقف عند غيره من البشائر، فذلك شيء يطول مكتفيا بالوقوف عند فيلم واحد، من بينها، اقيمت لى فرصة مشاهدته قبل بضعة ايام لاعلى شاشة كبيرة فى احدى دور السينما، وانما على شاشة التلفاز حيث اقيم، لان مثله لاتتاح له فرصة العرض العام عندنا فى ربوع مصر.

وذلك، الفيلم اسمه “صندوق وجبة الغذاء”، مترجماً من اسمه الاصلى باللغة الهندية “دابا” (2013).

وهو اول عمل روائى طويل لصاحبه المخرج “ريتيش باترا” وفى نفس الوقت كاتب السيناريو.

ويتقاسم بطولته كل من “عرفان خان” الفائز فى مهرجان دبى السينمائى بجائزة “المهر” لافضل ممثل رئيسي.

بطلته “فنيمرات كاوور”.

و”عرفان خان” يلعب دور ارمل فى خريف العمر، أوشك على اعتزال الخدمة فى الشركة حيث عمل لسنوات طوات.

اما هى “نيمرارت” زوجة فى مقتبل العمر، ولها من زوجها المشغول دائما بعمله، ابنة صغيرة.

والاثنان لايلتقيان ابدا، طوال مدة الفيلم ، مكتيفيان بتبادل الرسائل الموضوعة فى عمود الغذاء الذى سلم خطأ إلى “خان” فى مكتبه بالشركة، ساعة الغذاء، بواسطة العامل حامل الاعمدة. المكلف بتوصيلها الى اصحابها ، المرسلة اليهم من ذويهم فبفضل ذلك الخطأ يتعارف الاثنان، ويتبادل كلاهما مع الآخر الرسائل، التى من خلالها نعرف الشيء الكثير من آمال الاثنين، واوجاعهما، ومايعيشان من عشرة وندم على ما فات، وضاع كالهباء.

والفيلم فى عرضه لما يحكيان فى الرسائل، ينساب فى هدوء وبإيقاع بطيء، يذكرنا باسلوب “راي” يقول الشيء الكثير عن معاناة عموم الناس فى الهند الحديثة.