كلمه الاستاذ رشدي ابو الحسن في حفل مصطفي درويش

كنت صديقا لمصطفي درويش. استمرت هذه الصداقة امدا .عقودا من السنوات . لااذكر متي بدات الصداقة تترسخ. بدأ تعارفنا في منتصف الستينيات من القرن الماضي. عندما جاء الي مجلة اخر ساعه. بدعوة من صلاح حافظ وسعد كامل ،اللذين كانا مسؤولين عن تحرير المجله ،ليكتب عمودا في النقد السينمائي. لم يكن اسما غريبا علي الوسط الثقافي والسينمائي. فقد أتيحت له الفرصة قبل سنوات قليله ليشغل منصب مدير الرقابه علي المصنفات الفنيه ،عند تولي ثروت عكاشه وزارة الثقافة. ولكنها لم نستمر طويلا. ثم طلب منه احمد حمروش كتابة عمود في النقد السينمائي، في روز اليوسف. كتب في اخر ساعه لعدة شهور. كنت اعمل ايامها في المجلة في بداية مشواري الصحفي. فجأه ابعد المسؤولان عن التحرير. .واختفي عمود درويش لم يمض وقت طويل .حين عين ثروت عكاشه مرة اخري وزيرا للثقافة. وطلب من مصطفي درويش تولي مسؤولية الرقابه.بقي في منصبه هذه المره وقتا أطول، مايقرب من السنتين. ونجح خلال تلك الفتره ان يفجر ما يشبه البركان، ويترك اثرا ترددت اصداؤه في الوسط السينمائي والثقافي بأسره، وفتح نوافذ يطل منها المشاهد المصري علي عشرات الافلام التي كان محرما عليه رؤيتها.

ما يهمني أن الفت اليه النظر هنا .ان كل هذه الفرص الفرص التي اتيحت له ،ليتولي منصبا من المناصب الاداريه العليا في الدوله، او يصعد منبرا يطل علي جمهور أوسع بالكتابة في الصحف . كانت تأتي اليه بمصادفة كامله. لم يسع الي اي منهابقدميه، او يدق باب احد، او نتيجة ارتباطه بحزب او شله ،او اي مركز من مراكز القوة. احيانا كان لا يعرف من الذى شرحه. ومن كان يتصرف متمتعا باستقلالية كامله.ولا تقيده حساسيات من اي نوع .ولكن في المقابل، كان المتوقع أن يفقد الفرصة في اي لحظه. وكان دائما مستعدا لدفع الثمن.
وفي تلك المرحله، كانت العلاقه تقف عند حدود التعارف، لاسيما ان هناك فارقا في السن يجعلنا من جيلين .ولكن التقينا مرةثانية في اوائل السبعينات. في مكان ابعد ما يكون عن تصور وجود مصطفي درويش فيه.التقينا في احد أوكار التنظيمات اليسارية السريه التي انبثقت في ذلك الوقت. ربما خوفا من عودة التيارات اليمينيه بعد وفاة جمال عبدالناصر. ولم تكن هذه اول مره يشارك فيها عمل شيوعي،فقد انضم في الأربعينيات الي الحركه المصريه .وهي أنشط المنظمات الشيوعيه انذاك.
وفي كل هذه الميادين، سواء في العمل السياسي، في اكثر تجلياته خطورة،او في الوظيفه الحكومية في مجلس الدوله، او بين العائله او وسط الاصدقاء، كان علي الحافه. انماتركيزه وانتباهه وقلبه وكل اهتمامه، كان في مكان آخر. كان في مجال السينما.هناك كثيرون يعشقون السينما ويحفظون كل تاريخها وحاضرها، ولكن بالنسبةلي لم أعرف أحدا يحمل لها كل هذه الدرجة من العشق والهيام منذ شاهد اول فيلم وعمره ثماني سنوات والي نهاية العمر .يحكي لنا تفاصيل في في فيلم شاهده وعمره احد عشرة سنه ويروى أحداث اول فيلم ناطق في تاريخ السينما كأنه راه امس .وتساله الدكتوره كريستينا نلسون عن افضل عشرة افلام في تاريخ السينما ينصحها باقتنائها، وعلي الفور ودون ثانية تلجلج يملي عليها أسماء عشرة افلام ثم ينبهها، ان القائمة تشمل افلام ابيض واسود ومخرجا له فيلمان ولم يختر لسبيلبرج رغم انه يحبه ويقدر ابداعه لانه يري انه يسرف في استخدام التكنولوجيا.
كان في عشقه ومتابعته لفن السينما وبالذات العالميه لمسةمن التصوف. لا يهدف ان يكسب من ورائها اي شئ. او يجعلها سلما لمغنم او مصدرا لدخل مادي. المقال الذى يكتبه في مصر بملاليم، كان يمكنه نشره في صحيفةعربيه باضعاف ولكنه كان ينزه الحبيبة ان تكون طريقا للكسب. يذكرني احيانا بمشاهير الشعراءالمحبين الذين يرهنون كل شعرهم واعمارهم لمحبوبة واحده.
لم اندهش حين عرفت ان كل ماتركه من ثروه هه٣٧ الف جنيه .كان يقول ان امه تكرر منذ شبابه عبارة “تركة مصطفي كلها ورق ” لم تعش لتضيف اليها الافلام. ولكني اعتقد ان مقتنياته كثيرة وغريبه؛ منها مثلا عداؤه لهتلر والفاشيه. ظل يفخر الي اخر يوم في حياته انه كان الوحيد، وهو صبي الذى كان ضد هتلر ،كل الشارع الذي يسكنه فى المنيل مع هتلر .كل أقاربه. عمه الضابط في الجيش التركي .وحده كان ضد هتلر ،حتى عندما هزت انتصاراته العالم سنة ١٩٤٢ . وكان يوم هزيمته واندحار الفاشيه من اجمل ايام حياته .يقول هذا كان حدثا شخصيا سعيدا نعم به منذ يومين
كان نسيج وحده .كان سعيدا بمقتنياته.
ربما كانت ابيات لشاعرة فرنسيه يستشهد بها احيانا تعبر عنه ،ابيات تقول :
ايتها الوحده
لاافكر كما يفكرون
ولا أعتقد كما يعتقدون
ولا احب كما يحبون
وسوف اموت كما يموتون
……..
يرحمه الله

كلمة الكاتب الصحفي والناقد محمود عبد الرحيم في احتفالية مصطفي درويش

مساء الخير..
السيدات والسادة
اسمحوا لي في البداية أن أرحب بكم جميعا، وأتوجه بالشكر لنقابة الصحفيين وبشكل خاص اللجنة الثقافية وعلى رأسها الزميل العزيز الأستاذ محمود كامل لمشاركتنا ودعمنا لإحياء الذكرى السنوية الأولى لرحيل عاشق السينما مصطفي درويش نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية السابق.
هذه المناسبة نأمل أن تتواصل سنويا احتفالا واحتفاء بهذا الرجل العظيم الذي ترك بصمته على الكثيرين.
إننا الليلة لسنا إزاء ندوة ولا مؤتمر ولا حتى حفل تأبين تقليدي، وإنما بصدد تجمع للأصدقاء والمحبين في جو عائلي يليق بمصطفي درويش الحاضر بيننا وليس الغائب.. الحاضر بيننا بروحه ومحبته ورصيده الثقافي والإنساني.
فتجمعنا الليلة تعبير عن الوفاء والامتنان لمصطفى درويش صاحب العطاء الحقيقي الذي يستوجب الإشادة والتذكر الدائم لأنه بإخلاصه لعشق السينما ورصيده النقدي ودوره التثقيفي على مدى سنوات يستحق التكريم خاصة من قبل كل من له علاقة بالفن والسينما على وجه الخصوص.
ويستحق أن يكون قدوة للأجيال الجديدة التي ربما لا تعرفه ولا تدرك قيمته وانجازه كرمز للانتصار لحرية الرأي والتعبير والإبداع والتسامح وقبول الآخر، وكأشهر رقيب ينحاز للإتاحة والإباحة، وليس المنع والمصادرة.
رحم الله مصطفى درويش الأستاذ العظيم أحد رموز النقد السينمائي البارزين وأخلص المخلصين لعشق السينما وواحد من آخر الرجال المحترمين الذي تعلمت منه الكثير وأضاف لي إنسانيا وسينمائيا.

كتب الاستاذ محمود عبد الرحيم

كتب الاستاذ محمود عبد الرحيم:
في حفل اختتام مهرجان الاسكندرية السينمائي قبل أيام، قام رئيس المهرجان الزميل الأمير أباظة بالاشادة بالمسئولين وغير المسئولين وحتي الجيش والشرطة وشهدائهم في غير مناسبة وغير موضع، ولم يترك أحدا ألا وقدم له التحية، وأتي علي ذكر بعض النقاد الراحلين والاسراف في امتداح “سماسرة النقد السينمائي” لكنه تجاهل أكثر النقاد احتراما وعشقا للسينما وإخلاصا لها مصطفي درويش، لانه لم يكن ضمن شبكات المصالح الفاسدة وكان مستقلا ومحترما يكتفي فقط بعشق السينما هي والنقد دون تحقيق مكاسب خاصة.
تأخرت في كتابة هذه التدوينة بسبب وعكة صحية، لكني وجدت واجبا ان اكتبها لتبيان المواقف ولأنه في بلادنا للأسف المحترم لا يأخذ حقه حيا ولا ميتا، بينما الانتهازيون والفاسدون يأخذون ما لا يستحقون من التبجيل والتقدير.