حصد الموت أرواح ثلاثة من مشاهير السينما والسياسة خلال مدة لم تزد عن سبعة أيام.
وكان «روجر ايبرت» ناقد السينما الأمثل أول الراحلين.
ولم يمض علي رحيله سوى أربعة أيام، إلا وكانت قد لحقت به »مرجريت تاتشر« أول سيدة ترأس مجلس الوزراء البريطانى.
هذا، وبعد رحيلها بيومين ، طيرت وكالات الأنباء خبر وفاة المخرج الاسبانى »بيجاس لونا«.
و»ايبرت« والحق يقال، فريد نوعه فى زمرة النقاد.
عشق السينما، وهو فى ريعان الصبا والشباب فكرس حياته للنهوض بها، مضحيا فى سبيل ذلك بالوقت والمال.
ورغم اصابته، وهو فى أوج شهرته، بسرطان شرس، سلبه القدرة على تناول الطعام والكلام، بقى صامدا لعاديات الزمان.
مواصلا مشاهدة الأفلام، مستمرا، بفضل مدونته على الشبكة العنكبوتية فى كتابة نقده لها، بأسلوب ممتع، من نوع السهل الممتنع، مما جعل قراءة النقد السينمائي، أمرا ميسرا، فى متناول الجميع.
وهنا، لا يفوتنى أن أذكر، أننى كنت من مريديه اشترى مؤلفاته، واتابع بشغف مقالاته الناقدة للأفلام وكانت قراءتى لها، مصدر الهام لي، بفضلها اتيحت لى فرصة مشاهدة روائع سينمائية أصحابها يغردون خارج سرب أفلام استديوهات هوليوود الكبرى.
وبفضلها كذلك، ارتفع مستوى تقديرى الفنى لما أراه من أفلام.
ويحضرنى هنا مقال له انتقد فيه بلا هوادة »الليدى الحديدية« لصاحبته المخرجة »فيلليدا لويد« وأداء النجمة »ميريل ستريب« التى تقمصت شخصية »مارجريت تاتشر« وعن تقمصها هذا توجت بجائزة أوسكار أفضل ممثلة رئيسية فالفيلم أشاد بها، وكما كان متوقعا.
مسلطا الضوء على ايجابياتها، دون سلبياتها فهي، وفقا لسيرتها كما جاءت فى الفيلم، ليست كغيرها من الزعماء المعاصرين لها.
كانت زعيمة ذات ارادة من حديد، وعزم أكيد وعكس أغلب القادة فى زمانها، كان لديها القدرة على تصور واقع مغاير.
لم تجنح مثلهم إلى التشبث بسياسة الاكتفاء بـ »ادارة الأوضاع« التى لابد أن تتحول فى رأيها، ان عاجلا أو آجلا، بحيث تنحدر إلى نوع من »ادارة التدهور« فواجهت بجسارة الأفكار اليسارية المتغلغة فى الاعلام والجامعات والنقاش العام.
وكان ان صمدت لاضراب عمال مناجم الفحم، حتى انتصرت.
وكان انتصارها ايذانا بانحسار نفوذ نقابات العمال كما صمدت لعدوان جنرالات الارجنتين على جزر الفالكلاند حتى أجلت قواتهم عنها، وتوّج انتصارها، بسقوط الجنرالات الطغاة، ومحاكمتهم عن الجرائم التى اقترفوها فى حق الشعب الأرجنتينى.
وطبعا، كل ذلك جاء له ذكر فى الفيلم.
وهذا، فى رأى »ايبرت« لا يعيب الفيلم فى شيء.
ما يعيبه حقا وهو ان كاتب سيناريو والفيلم »آبى مورجان« ومخرجته، كلاهما ليس عنده فكرة واضحة عما يريد أن يقوله عن »تاتشر« ولا يقوله
هل يريد أن يقول انها بطلة، أم وحش كاسر مجرد من العواطف.
كلاهما بلا رأى فى سياستها عموما، بحيث يخرج المشاهد من الفيلم، مصطحبا بضعة صور عن »تاتشر« ولا شيء آخر.
والآن إلى ثالث الراحلين »بيجاس لونا« لأقول عنه باختصار، انه لا هو، ولا المخرج الاسبانى الأشهر »بدرو المودوفار« كان فى وسعه أن يخرج فى عهد الديكتاتور »فرانشيسكو فرانكو« الذى استمر تسعة وثلاثين عاما ونظرا إلى جرأة »لونا« التى جعلته واحدا من أهم رواد التحدى لجميع الممنوعات الرقابية التى تحول دون حرية التعبير سينمائيا فأن أيا من أفلامه لم تتح له فرصة العرض العام عندنا فى ربوع مصر ومن هنا مرور خبر وفاته مرور الكرام !