المسافر

هذا أول فيلم روائي طويل لصاحبه المخرج “أحمد ماهر” وأول فيلم تنتجه وزارة الثقافة بعد غيابها عن ساحة الانتاج المباشر زهاء ثلث قرن من عمر الزمان.

وأول فيلم يعتمد لانتاجة أكثر من عشرين مليون من عزيز الجنيهات، كما أنه من الأفلام المصرية القليلة التي أسند تصويرها لأجنبي هو المصور الايطالي “ماكو اونوراتو” فضلاً عن أنه ثالث فيلم في تاريخ السينما المصرية تتاح له فرصة العرض في مهرجان فينسيا الذي يعد بحق واحد من أهم المهرجانات العالمية وأكثرها تأثيراً في مسار السينما.

وفيلم انفرد بكل هذه المزايا كان لابد أن تعقد عليه آمال كبار لاسيما أنه من بين ممثليه وممثلاته كوكبه من نجوم السينما المصرية أخص منها بالذكر “بسمة” و”عمرو واكد” ونجم النجوم “عمر الشريف” وولده “حسني” أو ربما حفيده. ومع ذلك لم يتحقق شيء من تلك الآمال لا في مهرجان فينسيا حيث خرج “المسافر”من مضمار التنافس على جوائزه خالي الوفاق تاركاً الفوز بجائزته الكبرى لفيلم اسرائيلي اسمه “يا للعجب لبنان” ولا أينما جرى له أي عرض عام ويكفي أن أذكر هنا أن عرضه العام في البلد المنتج له مصر لم يتم إلا قبل حوالي أربعة أسابيع وذلك رغم أنه كان صالحاً للعرض العام منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

والسؤال المطروح هو لماذا طارد الفشل فيلماً مهدت له كل سبل النجاح؟

بداية سيناريو المسافر من تأليف أحمد ماهر وذلك يعني أنه جمع بين كتابة السيناريو وبين إخراجه أي ترجمته إلى لغة السينما ونظرة طائرة على السيناريو يستدل منها على نحو لا مجال معه لأي شك أن صاحبه طموح وأن طموحه جامح يتجاوز قدرات سينمائي شاب ليس في رصيده من الأعمال السينمائية سوى بضع أفلام قصيرة لا تبشر بمولد مخرج صاحب رؤية متميزة، تدخله في عداد صانعي الأفلام العظام أمثال “اورسون ويلز” و”فرانسوا تريفو” و”جان لوك جودار” الذين لمع نجمهم من أول فيلم روائي طويل أبدعوه فكان ذلك إيذاناً بمولد مخرج سيكون له شأن كبير في مسار فن السينما فالسيناريو والحق يقال يتطلب حتى يتمكن تحقيقه في فيلم قيم مخرجاً في مقام “فيديريكو فيلليني” المخرج الايطالي ذائع الصيت وليس قبل مرحلة نضجه حين أصبح مؤهلاً لاخراج أفلام خارجة عن المألوف مثل “روما فيلليني”، إني اتذكر والسفينه تبحر وبطبيعه الحال لم يكن أحمد ماهر مؤهلاً والحاله هذه لاخراج المسافر وليس أدل على ذلك من خلو رصيده السينمائي من أي فيلم روائي طويل.

باختصار فشل المسافر يرجع أولاً وأخيراً إلى ان صاحبه أول ما شطح نطح كما يقال في الأمثال. يبقي لي أن اقول أن اختياره “خالد النبوي” كي  يلعب دور البطولة في المسافر اختيار لم يصادفه التوفيق، فمن الصعوبة بمكان إن لم يكن من المستحيل التعاطف معه في أية محنة يمر بها لاسيما أن الفيلم يبدأ به وقد اغتصب البطلة “سيرين عبد النور” وسوء الاختيار هذا ينصرف كذلك إلى عمر الشريف الذي أسند اليه دور خالد النبوي حسن في الفيلم عندما وهن العظم منه واشتعل رأسه شيباً فهو بدوره لم يكن مقنعا في أدائه للدور، كان يبدو مجهداً يتحرك كالدومي بلا روح وكأنه يؤدي واجباً ثقيلاً.

ولن أعرض لموضوع الفيلم فذلك شيء يطول مكتفياً بأن أقول بأن أحداثه مفتعله أشد افتعال عجز صاحب الفيلم عن أن يقدمها بجلاء ومنطق واضح فضلاً عن عجزه عن أن يبعث فينا نحن المشاهدين الاحساس بمأساة حسن في صورها المختلفه بدءًا من سنة 1948 مروراً بسنة 1973 وانتهاء بسنه 2001.

وأخيراً

لم نفهم سر تحديده لأزمنة الفيلم بتلك التواريخ الثلاثة بحيث بدا التحديد مجرد تقسيم زمني لا معنى له وما أكثر الأشياء التي بلا معنى في المسافر!!