شيكسبير يعيش بيننا

هكذا كتب دافيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا العظمى فى مقال له بمناسبة الذكرى الأربعمائة لغياب الشاعر وليم شيكسبير عن عالمنا.

ومما جاء فى مقاله هذا أن تلك الذكرى ليست مجرد مناسبة للاحتفاء بواحد من أعظم كتاب المسرح فى تاريخ البشرية, بل هى فرصة أيضا للاحتفاء بالتأثير الباهر المستمر لرجل يقف شامخا عملاقا حتى يومنا هذا.

ولا عجب أن يكون له كل هذا التأثير, و قد ترجمت أعماله إلى أكثر من مائة لغة, ويدرسها نصف تلاميذ عالمنا, وقال عنه أحد معاصريه (بن جونسون) شيكسبير ليس ابن عصره فقط, بل ابن كل العصور, و آية ذلك أن عبارات و حبكات مسرحياته، فضلا عن شخوصها، ما تزال مصدر إلهام لكثيرين فى مشارق الأرض ومغاربها.

ولعل خير مثل على ذلك ما جاء علي لسان المناضل نلسون مانديلا من أنه أثناء اعتقاله فى جزيرة روبن كان يهتدي بمقولة من مسرحية “يوليوس قيصر” لشيكسبير: (الجبناء يموتون مرات قبل موتهم، والشجعان لا يذوقون طعم الموت إلا مرة واحدة).

وبطبيعة الحال ما كانت المناسبة لتمر دون أن تعرض جميع مسرحيات شيكسبير علي خشبة مسرح شيكسبير الذي تم ترميمه قبل عشرين عاما، بعد الحريق الذي أتي عليه أثناء عرض لإحدي مسرحيات شيكسبير.

وعلي غير المعتاد لم يبدأ مسرح شيكسبير عروضه بإحدى مسرحياته، و إنما بدأها بفيلم اسمه “شيكسبير عاشقا”. والحق أنه اختيار صادفه التوفيق إلي حد كبير.

والسؤال لماذا وقع الإختيار عليه، دون غيره من مسرحيات شيكسبير، ولا حتي من الأفلام المستوحاة من إحدي مسرحياته وما أكثرها وأذكر من بينها علي سبيل التمثيل فيلمي (هاملت) و(الملك ليير) للمخرج الروسي (جريجوري كوزنتسوف) و (روميو وجولييت) للمخرج الإيطالي (فرانكو زيفريللي), و(ماكبث) للمخرج (رومان بولانسكى) و (يوليوس قيصر) للمخرج الأمريكى (جوزيف مانكفتش)٠

بداية (شيكسبير عاشقا) لم يقع الإختيار عليه إلا لأنه غير مستوحي من إحدي مسرحيات شيكسبير، وإنما لأنه يدور وجودا وعدما حول حكاية حب من صنع خيال الكاتب المسرحي (توم ستوبارد) بالمشاركة مع (مارك نورمان)، فكلاهما كاتب السيناريو القائم عليه فيلم (شيكسبير عاشقا) راعى أن تكون حكاية الحب التي اصطنعاها قد جرت في عصر الملكة إليزابيث الأولى، حيث تصور علاقة حب بين شيكسبير و فتاة حسناء من علية القوم، و كيف ألهمه هيامه بها إلى إبداع رائعته (روميو و جولييت).

ودون الدخول في تفاصيل حكاية الفيلم، وذلك شيء يطول، أكتفي بان أقول إنه واحد من أهم الأفلام فى تاريخ السينما, أخرجه (جون مادن) (١٩٩٨), بطولة (جوزيف فينسي) و(جوينث بالترو).

وقد فاز فيلمه بجائزة أوسكار كأفضل فيلم، فضلا عن ست جوائز أخري، إحداها جائزة أفضل ممثلة رئيسية (بالترو) .
ومن عجب أن (مادن) لم يفز بجائزة أفضل مخرج، ليفوز بها بدلا منه (ستيفن سبيلبرج) عن فيلمه (إنقاذ النفر رأيان).

واللافت أن عددا كبيرا ممن أسند لهم المخرج أدوارا ثانوية في (شيكسبير عاشقا) قد فاز بعد ذلك بجائزة أوسكار أفضل ممثلة أو ممثل، وأذكر من بينهم (جودي دنش) و(جيفيري رش) و(كولين فيرث).

وخلاصة القول إن (شيكسبير عاشقا) ليس كغيره من الأفلام، فهو، والحق يقال درة سينمائية أحسن صنعها، ولم يكن صدفة وقوع الإختيار عليه ليكون الفيلم الذي تبدأ به عروض احتفالية شيكسبير.