نجاح البؤساء

ادهشني امتداد عرض فيلم «البؤساء» لبضعة أسابيع، في عاصمتنا القاهرة، حيث لا أمن، ولا أمان وإن كان لا مدعاة لدهشتي هذه، والفيلم مأخوذ عن رواية، تعد، وبحق من أشهر روايات «فيكتور هيجو»، الأديب الفرنسي، ذائع الصيت.
les_miserables

وقد لا أكون مغاليا، بعض الشيء، إذا ما جنحت فقلت إنها أشهر روايات الأدب عامة، لا يضارعها في الشهرة، والذيوع، أي عمل أدبي آخر، حتي وإن كان لأدباء، في مثل قامة، شكسبير، وتولستوي، وغيرهما كثير.

كما أنني لا أعتقد أن مثقفا في ربوع مصر، مهما كان حظه من العلم قليلا، لم يقرأ، أو لم يسمع بأن ثمة رواية اسمها البؤساء.

ولا أعتقد كذلك ان أحدا من محبي فن السينما، بطول وعرض البلاد، لم يشاهد فيلما مأخوذا عن تلك الرواية، معروضا علي الشاشة الكبيرة أو الصغيرة فما أكثر الأفلام المستوحاة أحداثها وشخوصها من البؤساء، بدءا من أيام السينما الصامتة، وحتي يومنا هذا.

وفي هذا السياق، يقال من بين ما يقال ان عددها قارب الخمسين فيلما.

ولا يفوتني هنا، ان من بين ذلك العدد المهول فيلمين مصريين علي الأقل، أحدهما لصاحب «العزيمة» المخرج كمال سليم.

والآخر للمخرج «عاطف سالم».

وفوق كل هذا، فأثناء الربع الأخير من القرن العشرين توج نجاح رواية البؤساء علي نحو منقطع النظير، بترجمتها إلي لغة المسرح في شكل مسرحية موسيقية، غنائية، ذات طابع أوبرالي، بدأت عروضها في باريس، لتصبح، بعد ذلك واحدة من أنجح المسرحيات الموسيقية الغنائية، في تاريخ ذلك النوع المبتكر.

فعرضها استمر ثمانية وعشرين عاما، ولا يزال مستمرا، حتي وصل عدد مشاهديها إلي الستين مليونا عدّا، في اثنين وأربعين بلدا، مترجمة إلي إحدي وعشرين لغة.

ومنذ أول عرض لها، وما واكبه من نجاحات، ومحاولات ترجمتها إلي لغة السينما، متواصلة، دون انقطاع، ولكن دون جدوي.

واستمر الوضع هكذا، إلي ان تصدي «توم هوبر» لإخراجها بعد فوزه، هو وفيلمه «خطاب الملك»، قبل عامين، بجائزة الأوسكار.

وكان أول ما حاوله «هوبر» للتغلب علي الصعاب التي حالت دون ترجمة مسرحية «البؤساء» بموسيقاها وأغانيها إلي لغة السينما، هو الخروج بأحداث المسرحية من الانغلاق داخل جدران المسرح، انطلاقا بها إلي أجواء العالم الفسيح، كما نعيشه فعلا وبدءا من أول مشهد في فيلمه يبهرنا «هوبر» بصورة مدهشة لقطيع من السجناء (حوالي عام 1815) وهم يحاولون بعناء شديد، جر مركب ضخمة إلي حوض جاف، في جو عاصف ممطر.

وغني عن البيان، ان مشهد بمثل ذلك الحجم والضخامة، لا تتوافر الإمكانيات في أي مسرح، لإنتاج شيء مماثل له، في الروعة والابهار.

ومثلما نجح «هوبر» في ترجمة المسرحية إلي لغة السينما صادفه التوفيق في اختيار طاقم الممثلين والممثلات، خاصة اختياره «هيو جاكمان» لأداء دور «جان ڤالجان» و«آن هاثاواي» لأداء دور «فانتين».

وليس أدل علي ذلك، من فوز كليهما بجائزة الكرة الذهبية، هو عن أدائه لدور رئيسي في فيلم موسيقي، وهي عن أدائها لدور ثانوي في الفيلم.

فضلا عن ترشيح كليهما لجائزة الأوسكار وأرجح الظن ان تفوز «هاثاواي» بها، كما سبق لها الفوز، قبل بضعة أيام، بجائزة بافتا والا يفوز «جاكمان» بجائزة الأوسكار، كما لم يفز بجائزة «بافتا».

وبدلا منه فاز بها «داني داي لويس» عن تقمصه لشخصية «ابراهام لينكولن» في فيلم «لينكولن».

ومثلما فاز بجائزة بافتا، فالراجح فوزه بجائزة أوسكار، وذلك لأن تقمصه لشخصية «لينكولن» ليس له ما يضارعه بأي حال، إذ كاد يصل إلي حد الإعجاز!!