لم يكن “نيل ارمسترونج” كغيره من رواد الفضاء الذين شاركوه ركوب مخاطر. اكتشاف مجاهل الكون العجيب.
كان مختلفا، مولعا بالطيران، منذ أن كان صغيرا، قبل السيارة، تحلم قيادة الطائرة متفانيا في عمله قائدا لها غير آبه بالشهرة وبان تسلط على انجازاته الأضواء وفوق كل هذا. انفرد بانه أول انسان، يبدأ الخطو من سطح كوكبنا الأرض، لتنتهى به خطوته، واقفا على سطح كوكب آخر، هو القمر.
وكان بخطوته تلك التى حدثت وقائعها فى مثل هذه الأيام قبل أربعة وأربعين عاما، وتحديدا يوم العشرين من يوليو.
أقول انه كان بفضل ذلك أول انسان يحالفه النجاح فى ملحمة غزو الفضاء، بالوقوف على سطح جرم سماوى آخر، انطلاقا من كوكبنا الأرض، محققا بذلك حلما طالما راود طلائع بنى الإنسان، لاسيما بعد الثورة الصناعية، التى صاحبتها نهضة علمية، قلبت جميع الموازين.
وكان من آثارها فى عالم الأدب، مولد نوع جيد، اصطلح على تسميته بأدب الخيال العلمي.
وهكذا، بدءا من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أخذ ذلك النوع من الحكى فى الازدهار، حتى أصبح شجرة وارفة، أثناء القرن العشرين.
ومن أبرز الروايات الأولى التى تنتسب إلى أدب الخيال العلمي، روايتان، كلتاهما تدور أحداثهما حول رحلة إلى القمر أولاهما من الأرض إلى القمر للأديب الفرنسى “چول ڤيرن”.
أما الأخرى واسمها “أول رجال على سطح القمر” فصاحبها “هـ ج. ويلز” الأديب الانجليزي، ذائع الصيت.
ومن كلتا الروايتين، استوحى “چورچ ميلييس” رائد السينما الروائية الفرنسية، أحداث فيلمه القصير “رحلة إلى القمر” (1902)، والذى يعتبر بحق أول عمل من ذلك النوع الذى يعرف تحت مسمى “سينما الخيال العلمي”.
ولعلى لست مغاليا، اذا ما جنحت إلى القول بان فيلم “اوديسة الفضاء- 2001” لصاحبه المخرج الامريكى “ستانلى كوبريك” يعتبر واحدا من أكثر أفلام ذلك النوع من السينما جدية، وتعبيرا عن روح غزو الفضاء فهو والحق يقال، ملحمة بمعنى الكلمة استغرق انتاجه واخراجه خمسة أعوام.
ففكرة ترجمة القصة المأخوذ عنها الفيلم واسمها “الحارس” لصاحبها “ارثر كلارك” أخذت تختمر فى رأس “كوبريك” أثناء 1963، أى بعد مضى عامين على اعلان الرئيس الامريكى الأسبق “چون كينيدي” خطته الرامية إلى اطلاق سفينة فضاء يخطو منها رجل إلى سطح القمر، وذلك قريبا من نهاية عقد الستينات.
وقد توجت خطته هذه بالنجاح، بوصول مركبة الفضاء “أبوللو” إلى القمر، ونزول “ارمسترونج” منها إلى سطحه، حيث مشى بضع خطوات، مع زميله فى المركبة، رائد الفضاء “ادوين الدرين”.
وبعد ذلك عادت المركبة بهما، ومعهما رائد ثالث “مايكيل كولنز”، إلى الأرض، سالمين جميعا، حيث استقبلوا استقبال الأبطال.
وأعود الى فيلم “اوديسة الفضاء- 2001) لأقول إن عرضه فى دور السينما، كان سابقا على رحلة “أبوللو” إلى القمر بنحو عام.
وفيه وعلى امتداد ثلاث ساعات عرض “كوبريك” لتاريخ الحضارة، بدءا من أزمنة غابرة، موغلة فى القدم حيث نرى الإنسان البدائي، وقد تعلم كيف يقتل أخاه الإنسان من أجل البقاء.
ومما هو جدير بالذكر هنا ان أقول إن نصف الساعة الأولى من الفيلم، تنساب دون كلمة واحدة تقال.
وما أن ينتهى صاحب الفيلم من عرض الحياة فى تلك الأزمنة الغابرة، حتى ينتهى بنا إلى مشهد، نرى فيه سفينة تتهادى فى الفضاء، على نغم “الدانوب الأزرق” للموسيقار “جوهان ستراوس” متجهة بروادها إلى كوكب المشتري، أكبر كواكب المجموعة الشمسية.
وعكس رحلة “أبوللو” إلى القمر، كانت رحلة سفينة الفضاء إلى المشترى محفوفة بالمخاطر لاتبعث على الاطمئنان إلى مستقبل بنى الإنسان خارج كوكب الأرض، على امتداد العالم الفسيح!!