اتهمامات بالجملة لأكاديمية أوسكار

الأفلام المرشحة لجائزة أوسكار أفضل فيلم أمريكي أو متكلم بلغة انجليزية لا تزيد عن خمسة، بأي حال من الأحوال.

وطبعاً لا يدخل في عدادها الأفلام التي يجري ترشيحها– في قسم خاص– لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، مثل “كل شيء عن أمي” آخر رائعة أبدعها المخرج الأسباني “بيدرو المودڨار”.

فهذا الفيلم مرشح للأوسكار.

وقد يكون مفيداً أن أذكر أنه سبق تتويجه بجائزة أفضل مخرج في مهرجان “كان” الأخير. وكذلك تتويجه قبل أسابيع، بجائزة سيزار المخصصة لأفضل فيلم أجنبي.

وسيزار هي المعادل الفرنسي لأوسكار.. وأعود إلى الأفلام المتكلمة بالانجليزية المرشحة لأوسكار، وفي مقدمتها يقف “الجمال الأمريكي” بثمانية ترشيحات، لأقول أن نفراً من النقاد الأمريكيين، على رأسهم “ريتشارد كورليس” ناقد مجلة “تايم” الأمريكية، واسعة الانتشار، قد عاب على أكاديمية هوليوود، واسمها بالكامل أكاديمية فنون الصور المتحركة والعلوم، جنوحها إلى ترشيح الأفلام الخمسة، رغم أن ثمة أعمالاً أعلى منها منزلة، وأرفع شأناً.

غطرسة وتعصب

وذهب ناقد “التايم” إلى أبعد من ذلك، عندما قال أن من الأفلام الخمسة المرشحة حالياً، لا يرقى إلى مستوى “شكسبير عاشقاً”، و”إنقاذ النفر رايان”، الفيلمين اللذين حصدا قبل عام، جوائز الأوسكار.

وأن أعضاء تلك الأكاديمية كانوا أكثر تعصباً لكل ما هو أمريكي من أي عام مضى، الأمر الذي انعكس على ترشيحاتهم للأفلام.

فأحداث الأفلام الخمسة تدور، بلا استثناء على أرض الولايات المتحدة، لا تغادرها أبداً.

وتعرض لطريقة الحياة الأمريكية، وما يتولد عنها من مشاكل، دون أن تحيد عن ذلك قيد أنملة، وكأن العالم، ليس له وجود خارج أرض الأحلام.

ومن بين انتقاداته الأخرى لأعضاء الأكاديمية، ولا أقول اتهاماته، قوله عنهم أنهم أناس متعالون على أنواع معينة من الأعمال السينمائية، مثل أفلام الرسوم المتحركة، والملهاة والحركة.

فأفلام الرسوم المتحركة، لا يجري ترشيحها لأوسكار أفضل فيلم طويل إلا نادراً.

وغالباً ما ينحصر نصيبها  من الجوائز في أوسكار أفضل أغنية. مثلما حدث في العام الماضي بالنسبة لفيلم “أمير مصر”.

احتقار الملهاة

وأفلام الملهاة، هي الأخرى ليست أسعد حظاً وليس أدل على ذلك، من جنوحهم إلى استبعاد النجم الهزلي “جيم كاري” من الترشيح لأوسكار أفضل ممثل رئيسي عامين على التوالي، رغم سابقة فوزه بالكرة الذهبية مرتين عن أدائه لدورين في فيلمين قوامهما الجد، لا الهزل الهازل.

الأولى في “استعراض ترومان” والأخرى في “رجل على سطح القمر” لصاحبه “ميلوش فورمان”، ذلك المخرج الفائز بالأوسكار مرتين مع فيلمه “طار فوق عش المجانين” و”أماديوس” المستوحى من مسرحية بنفس الاسم، تدور أحداثها حول سيرة الموسيقار موزار.

وهنا، لم يفت “كورليس” ناقد التايم أن يسخر بأعضاء الأكاديمية قائلاً أن حظ “جيم كاري” عاثر، ولاشك، لأن القدر لم يشأ له أن يمثل فيلماً هزلياً يعرض في بعض لقطاته لمحرقة اليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية، على أيدي جلادي ألمانيا الهتلرية.

مزايا المحرقة

فلو لم يكن قدره كذلك، فشاء له مثلما شاء للمثل الهزلي “روبرتو بينيني” العام قبل الماضي، عندما أتاح له فرصة إخراج وتمثيل “الحياة جميلة” ذلك الفيلم المتعاطف مع ضحايا تلك المحرقة، لكان في وسعه أن يفوز بالترشيح للأوسكار. فمما يعرف عن “الحياة الجميلة”، وهو فيلم ايطالي متكلم بالايطالية، أنه لم يكتف بترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، بل جرى ترشيحه فوق هذا، ومن باب الاستثناء، ضمن الأفلام الخمسة المتكلمة بالانجليزية، المرشحة للأوسكار، مما كان سبباً في فوزه بأوسكاري أفضل ممثل رئيسي “بينيني” وموسيقى تصويريه، علاوة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، بطبيعة الحال.

وفي رأي ناقد “التايم” أن أفلام الحركة مثلها في ذلك مثل أفلام الرسوم المتحركة ليس لها أن تطمع إلا في الترشيح لجوائز ثانوية من ذلك النوع المخصص للصوت وتوليف المؤثرات الصوتية والمؤثرات البصرية، والفوز بها في أغلب الأحيان.

وضرب مثلاً على ذلك بفيلم “الماتريكس” بالعربية “المتمرد”، لصاحبيه المخرجين العبقريين داني ولاري تشوڤسكي.

ففيما عدا ترشيح فيلمهما الرائع لجائزة أوسكار الخاص بالتوليف، وهو توليف مذهل بكل المعايير، فيما عداه لم يجر ترشيحه إلا لجوائز ثلاث أخرى هي بالتحديد الجوائز الثانوية سالفة البيان.

إعجاز وحرمان

وحرمانه من الترشيح للجوائز الكبرى، لا سيما جائزتي أفضل فيلم ومخرج، لمما يدخل، ولا شك، في باب العجب العجاب.. لماذا؟

لأنه من أفلام الحركة القليلة التي يتطلب خطابها من المتفرج إعمال الكثير من التفكير.

وعلاوة على عمق الخطاب، فالفيلم زاخراً بمزايا أخرى سلبت لب النقاد أينما شاهدوه، على نحو قل أن يكون له مثيل.

ولا غرابة في هذا الاجماع، فهو بصرياً آية من آيات الجمال والابهار.

يخطف الأبصار بتكوينات لقطاته التي تمر سريعة، كالحلم، في ثوان.

ولم يكتف ناقد “التايم” بلوم أعضاء الأكاديمية على خطئهم الجسيم الذي جنح بهم إلى عدم ترشيح “الماتريكس المتمرد” لجائزتي أوسكار أفضل فيلم ومخرج، أسوة بأفلام لا ترقى إلى مستواه، مثل “الحاسة السادسة”، بل تجاوز اللوم إلى التحدي بوضع قائمتين بنبوءاته فيما يتصل بأسماء الفائزين بالأوسكار، بعد أيام.

نبوءات ساخرة

في الأولى تنبأ بفوز “الجمال الأمريكي” هو ومخرجه “سام منديز”. وفي الثانية تنبأ بفوز “الماتريكس- المتمرد” باعتباره الفيلم الذي كان ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أمراً لازماً وتتويجه بها أمراً لا يختلف فيه اثنان.

وهنا لا يفوتني أن أذكر أن الفيلم الوحيد الذي فاز بالأوسكار في قائمتي ناقد “التايم” هو “كل شيء عن أمي”، رائعة المودوڨار. وأن “الماتريكس- المتمرد” قد حالت الرقابة بينه وبين العرض العام.

وأن ثمة أملاً في أن نشاهده، هنا في مصر، وهذا الأمل مرتهن بقرار تبرئة له، تصدره لجنة التظلمات، المنظور أمامها تظلم أصحابه من قرار سابق من اللجنه العليا للرقابة، يبيح عرضه على الكافة، لخلوه من أي شيء يتهدد النظام العام.

وكم أتمنى أن يتحقق الأمل، فلا يجنح أعضاء لجنة التظلمات إلى اضطهاد الفيلم، مثلما اضطهده أعضاء الأكاديمية في بلاد العم سام.