البرئ.. فيلم جرئ

الأفلام التي تحفظها ذاكرة الأيام، أقل من القليل و”البرئ” واحد من تلك الأفلام القليلة، وذلك لأنه فيلم له تاريخ وأي تاريخ!!

فهو الفيلم الوحيد في تاريخ السينما المصرية الذي شاهده ثلاثة وزراء مجتمعين، كي يقرروا مصيره، يرخص له بالعرض العام أم لا.

رقباء ووزراء

وفي حالة الترخيص له بذلك، هل يتاح له أن يعرض كاملاً أم ناقصاً، أي محذوفاً منه ما قد يراه الوزراء الثلاثة (الدفاع، والداخلية، والثقافة) مهدداً للنظام العام.

ومعروف أنهم أجازوا عرض “البرئ” ولكن بدون لقطة الختام، تلك اللقطة التي انخلعت لها قلوب الرقباء من الخوف، مما كان سبباً في رفع الأمر إلى الوزراء الثلاثة، ليفصلوا فيه، بما يحقق الصالح العام.

ومنذ تسعة عشر عاماً، و”البرئ” لا نشاهده إلا ناقصاً، بدون تلك اللقطة المحذوفة تنفيذاً لأمر هؤلاء الوزراء.

والآن، وقد مرت الأيام أعواماً بعد أعوام، ها هو ذا “البرئ” بفضل أرشيف السينما، حيث توجد نسخة كاملة من الفيلم يعرض كاملاً، بلقطة الختام هذه التي سببت رعباً للرقباء، وازعاجا للوزراء في حفل افتتاح المهرجان القومي الحادي عشر للسينما المصرية، الذي بدأت فعالياته، قبل بضعة أيام.

أعداء الوطن أم النظام

الفيلم صاحبه “عاطف الطيب” ذلك المخرج الذي رحل فجأة عن عالمنا، قبل عشرة أعوام. وهو سابع أفلامه، وأغلب الظن أنه أفضلها جميعا.

وسيناريو “البرئ” هو الآخر من أفضل ما أبدعه خيال “وحيد حامد” علي مر السنين. أراه سيناريو محكم البناء، يقطر شجناً وحنيناً إلى ماضٍ ثوري لن يعود.

وأحداثه تبدأ “بأحمد سبع الليل” الفلاح الساذج، القليل الوعي والذكاء (يؤدي دوره النجم الراحل أحمد زكي)، وقد جاءه أمر استدعاء لأداء الخدمة العسكرية.

ولأنه في حيرة، لا يعرف لهذا الأمر سبباً، فقد استفسر من صديقه حسين الطالب الجامعي (ممدوح عبد العليم) عن سبب الاستدعاء، رغم أنه يعول أسرته الصغيرة وحاجتها إليه أكثر من حاجة الجيش، أجابه الصديق قائلاً أن استدعاءه يرجع إلى حاجة الوطن إليه للدفاع عنه ضد الأعداء.

إلا أنه ما أن وصل إلى وحدته المكلف جنودها بحراسة أحد معسكرات الاعتقال بالصحراء، حتى أخذ يدرك شيئاً فشيئاً أن معتقلي المعسكر، ليس كما قيل له أعداء الوطن. وأنما أعداء النظام.

لحظة الحقيقة

وجاءت لحظة الحقيقة الفاصلة عندما رأى، لدهشته، “حسين” صديق عمره في القرية معتقلاً، يضرب أمامه ضرب غرائب الإبل بسياط وعصي جنود غلاظ القلب.

فبدءا من تلك اللحظة، استبد “بسبع الليل” غضب جامح، وصل إلى الذروة في لقطة الختام، حيث نراه صارخاً، يحصد من أعلى برج الحراسة، برصاص مدفعه الرشاش أرواح قائد المعسكر، ومن معه من ضباط وجنود، كانوا في استقبال فوج جديد من المعتقلين.

يأس يائس

وعبث هذه اللقطة، وعدميتها أمر واضح وهي تدفع بالمشاهد إلى التشاؤم دفعاً شديداً، وإلى الاحساس بشيء من الضيق مبعثه التساؤل هل وصل اليأس بجيل الشباب إلى طريق ليس لها نهايات إلا مثل نهاية البرئ “سبع الليل”!!