الحب الغائب في آيس كريم

لو اكتفينا  بإلقاء نظرة طائرة على فيلم خيري بشارة الأخير، لانتهينا إلى مثل ما انتهى إليه الكثير، وهو أنه عمل سينمائي مداره كفاح شاب طروب يسعى إلى الصعود والإرتقاء في عالم الغناء ابتغاء الشهرة والثراء.

أما إذا لم نكتف بذلك، وغصنا في أعماق “آيس كريم في جليم”، لوجدنا دعوة صريحة بأن نغنم من الحاضر لذاته .. لماذا؟

لأنه كما قال الشاعر عمر الخيام في سالف الزمان “ليس في طبع الليالي الأمان”.

فبطل الفيلم “سيف” عمرو دياب عندما تمرد، فغنى “أنا حر .. وطز في الفلوس” أمام الخدم والحشم في قصر أحد الأغنياء، انتهى به الأمر مقبوضاً عليه، مفترشاً الغبراء في أحد أقسام الشرطة جنباً إلى جنب مع المساجين.

وكانت الحال كذلك، عندما غنى “رصيف نمرة خمسة” وهي أغنية رقيقة عن المعذبين في الأرض بالأعداء الثلاثة الققر والجهل والمرض، ألفها “نور” أشرف عبد الباقي كاتب الأغاني الثوري الناصري الذي ضيع عمره في الأوهام، ولحنها “زرياب” على حسنين، الموسيقار العجوز البوهيمي المؤمن، لا يزال، بمبادئ ماركس ولينين.

النعيم المقيم

غير أنه عندما غنى، والفيلم يقترب من الختام السعيد، “آيس كريم في ديسمبر، آيس كريم في جليم” وبحر اسكندرية وراءه، والفتيان والحسان أمامه يصفقون فرحين مهللين، كان ذلك إيذاناً بفجر جديد يفتح له أبواب النعيم.

والمقصود بالنعيم هنا الحب والشهرة والمال.

ومن عجب أن الحب أقل أشياء النعيم هذه مرتبة في الأهمية عند صاحب الفيلم.

“فسيف” أو عمرو دياب لا يثور لحبه، ولا لشرفه عندما يكتشف أن خطيبته “سيمون” قد أصبحت بغيا ولا يهتم ولا يهتز، عندما يلتقي أخيراً بفتاة أحلامه التي مرت بحياته قبل سنوات كالطيف، فإذا بها مخلوقة من صخر، بقلب من حديد.

وحتى “آية” (جيهان فاضل) التي ينتهي بها الفيلم وهي في أحضانه، حبه لها، نحس به وكأنه حب عابر، سطحي، سريع الذوبان كالآيس كريم، وليس من ذلك النوع الأصيل الذي لا يكاد يبلغ القلوب، حتى يستقر ويدوم.

ممنوع الحب

وبطبيعة الحال، ليس للحب مكان داخل جحيم القاهرة المدينة البدينة.

فالعلاقة التي نشأت بين سيمون والثري العائد من أمريكا “د. عزت أبو عوف” قوامها الحُلي والمجوهرات، وإذاً فهي ليست من الحب في شيء.

وكذلك الحال بالنسبة لتلك العلاقات التي قامت بين “سيف” والمرأة العابثة التي التقطته صيداً ثميناً، تغيظ به عشيقاً ثرياً.

وبين الموسيقار العجوز المنهار والمومس التي بادلته غراماً مفتعلاً، انتهى به ميتاً في مكان عام.

القديم والجديد

وليس من الغريب أن يكون الفيلم بلا حب، وإنما الغريب ألا يتعلم صاحبه من فيلم له سابق، ومن فيلم آخر اسمه “الهجّامة” أن “سيمون” لا تملك القدرة على التعبيرعن العواطف، وأن أحداً ليس في استطاعته أن يجعل منها نجمة سينما، تحبها الكاميرا، فتعشقها الجماهير.

يبقي أن أقول أنه من مزايا الفيلم، كثرة الوجوه الشابة الجديدة والجميلة معاً.

وهو أمر نادر في أفلامنا ولعله ببدء تحققه في آيس كريمِ يساعد في أن يضئ للسينما المصرية ظلام الطريق.