الحذاء الأحمر.. والفلاح الفصيح

هذان فيلمان لا يجمع بينهما سوى عملية ترميم أجريت لكليهما انقاذاً لهما من العدم، بواسطة مؤسسة انشأها قبل بضعة أعوام المخرج الأمريكي ذائع الصيت “مارتن سكورسيزي” من أجل حماية التراث السينمائي العالمي من عاديات الزمان.

وفيما عدا عملية الترميم هذه التي أعادت للفيلمين ما لهما من جمال وجلال، فيما عدا ذلك، يكاد يختلف كلاهما عن الآخر في كل شيء.
“فالحذاء الأحمر” فيلم انجليزي روائي طويل، أخرجه صاحباه “ماكيل باول” و”ايميريك برسبورجر” قبل اثنين وستين عاماً، قصته مستوحاه من إحدى حكايات “هانزكريستيان اندرسن” الكاتب الدنمركي الشهير.

وأحداثها تدور، حسب سيناريو الفيلم أثناء النصف الأول من القرن العشرين، أي في زمن قريب، أما “الفلاح الفصيح” ففيلم مصري قصير “22 دقيقة” يجمع بين خصائص الفيلم التسجيلي وخصائص الفيلم الروائي، إذ أنه من خلاله تحكى أحداث قصة ما أخرجه “شادي عبد السلام” صاحب رائعة السينما المصرية “ليلة حساب السنين” أو “المومياء”، وذلك قبل أربعين عاماً بالتمام.

وقصته مستوحاه من حكاية لفلاح فصيح، كما وردت في ورقة بردي، لها من العمر آلاف السنين.

وبحكم ذلك، فأحداثه لا تدور في زماننا وإنما في زمن آخر موغل في القدم، وتحديداً زمن الفراعين.
وهنا لا يفوتني أن أشير إلى فارق آخر بين الفيلمين، أراه مهماً، ففي حين أن “الحذاء الأحمر” يعد بحق أجمل عمل سينمائي مداره رقص الباليه علي مر العصور، قد جرى عرضه عالمياً بما في ذلك مصر، حيث شاهدته في دار سينما “ريفولي” عندما كانت درة نفيسة (1948)، ولم تدمرها بعد، هي ودار سينما مترو نيران حريق القاهرة (26 يناير 1952) وتوابعه على مر عهود، خربتها، بأكثر مما يستطيع مجنون أن يفعل.

وفضلاً عن ذلك، فما أن تم ترميمه وجرى عرضه في مهرجان كان أثناء دورته الثانية والستين حتى تلقفته دور السينما في مشارق الأرض ومغاربها ثم ما لبث أن جرى طبعه على اسطوانات مدمجة “دي. في. دي” درّت على أصحابه الملايين من عزيز الدولارات.

كان ما حدث للفلاح الفصيح على العكس تماماً لما حدث للحذاء الأحمر، فعندما أكمل شادي عملية توليفه “مونتاجه” لم تتح له فرصة العرض إلا في أضيق الحدود.

ومن ثم لم تتح فرصة مشاهدته إلا لنفر قليل، وشأن كل جديد وجميل في مصر سرعان ما غمره النسيان، وهكذا بقى نسياً منسياً إلى أن اكتشفه نفر كرّس حياته لإنقاذ الدرر السينمائية المهددة، والغريب في الأمر أنه ما أن نجحت عملية ترميمه، وجرى عرض له أثناء فعاليات مهرجان كان الأخير، حتى أخذت رمال النسيان مرة أخرى تغمره شيئاً فشيئاً.

فلا عروض له في ساحات وباحات وزارة الثقافة ولا طبع له على اسطوانات مدمجة، تنشر كلام فلاح فصيح صادر من القلب، قبل اللسان كلام يشجب الظلم ويشيد بالعدل .

فإذا به صرخة ضد الظالمين تدوي في الآذان، منذ آلاف السنين وكم كان أبو الطيب المتنبي ثاقب النظر عندما قال “وفي مصر كل شيء يُنسى….. بعد حين”.