هذان اسمان لفليمين، أحدهما مصري جرى عرضه أثناء أشهر فصل الصيف، حيث عصف بجميع الأفلام الأخرى، محققاً أعلى الإيرادات.
أما الفيلم الآخر، وهو “أسامة” فأفغاني مبدعه “صديق بارماك” ذلك المخرج الذي درس فن السينما في موسكو، أثناء ثمانينات القرن العشرين.
جحيم طالبان
وبينما كان مقيماً في باكستان، هرباً من جحيم طالبان في أفغانستان تأثر إلى حد كبير بالسينما الإيرانية، خاصه بأسلوب راعيه ومرشده “محسن ماخمالباف” المخرج الإيراني ذائع الصيت.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها بالنسبه لأية سينما شرق أوسطية فاز فيلمه “أسامة” بالكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبي؛ تلك الجائزة التي عادة ما يمهد الفوز بها للترشيح لجوائز أوسكار كما فاز بجوائز أخرى في العديد من المهرجانات العالمية، أذكر من بينها على سبيل المثال، مهرجاني “لندن وكان” هذا وقد جرى عرضه، قبل عامين، في مهرجان الإسكندرية السينمائي، حيث لم يشاهده إلا نفر قليل، ولم يثر اهتمام أحد من النقاد المواظبين على حضور ذلك المهرجان العليل.
وأعود إلى الفيلم المصري، وهو “بوحه” لأقول أنه بطولة النجم “محمد سعد” وإخراج “رامي امام”.
الرغبة.. لماذا؟
وبقدر ما كنت راغباً في مشاهدة “أسامة” بقدر ما كنت راغباً عن مشاهدة “بوحة.. لماذا؟
لأنه نادراً ما حظى فيلم من انتاج بلد متخلف، ليس له في خريطة الانتاج السينمائي العالمي مكان، باستحسان النقاد في مشارق الارض ومغاربها، مثلما حظى “أسامة”، وذلك رغم أنه أول فيلم روائي طويل لمخرجه، وأول فيلم تنتجه افغانستان بعد زوال حكم طالبان وعلى العكس من ذلك كان حال.
“بوحه مع النقاد”
فحظه من استحسانهم كاد يكون هو والعدم سواء وبالصدفه، وجدتني أشاهد “بوحه وأسامة” في وقت كاد يكون واحداً.
ولم يكن ثمه مناص، والحالة هذه، من إجراء المقارنة بينهما وهي ولا ريب مقارنة فيها شيء من الاجحاف “ببوحه”.
ملهاة ومأساة
فهو والحق يقال، فيلم هزلي، هايف، مرآة لمجتمع مريض.
في حين أن “أسامه” فيلم جاد، فريد، يعرض لمأساة شعب أبّي شديد المراس ارتدّت به صراعات القوى العالمية أيام الحرب الباردة إلى ظلمات يشيب من أهوالها الأجنة في أرحام الأمهات.
ولن أعرض بالتفصيل لحكايتي “بوحه” و”أسامة” فذلك شيء يطول. وإنما اكتفي بأن أقول أن “بوحة” عبارة عن حواديت، في قالب اسكتشات، مدارها رحلة شخص اسمه “بوحة” داخل القاهرة المدينة البدينة، بحثاً عن تاجر في حي المدبح مدين لأبيه المتوفي بمبلغ وقدره نصف مليون جنيه.
وحسب رسم سيناريو “نادر صلاح الدين” له هو شخص فشار فهلاو أهوج، سليط اللسان ومغامراته قد جرى حكيها بغلظه وترهل منقطعي النظير وباسفاف وابتذال، قل أن يكون لهما مثيل.
كل ذلك بأسلوب ليس فيه من لغة السينما إلا أقل القليل.
للضرورة أحكام
أما “أسامة” فيحكي مأساة صبية ليس لها من العمر سوى اثني عشر ربيعاً، اضطرها البحث عن لقمة العيش لها ولأمها وجدتها، في ظل نظام استبدادي يحرم المرأة من حقها في العمل، إلى التنكر في ثياب صبي “أسامة” حتى تستطيع أن تزاول عملاً شريفاً، يقيها هي وأسرتها من هول الجوع، وذل السؤال.
ومما لوحظ على “أسامة” عناية مخرجه بالتفاصيل أشدّ عناية.
ولعلي لست بعيداً عن الصواب اذا ما جنحت إلى القول بأنه كان في أسلوب إخراجه متئداً، رزيناً لا يميل إلى الاستثارة والتهريج.
ولقد قال عنه أغلب من كتبوا بأنه قد جعلهم يشعرون بأنهم يشاهدون قطعة من الحياة في مجتمع أقرب إلى الجحيم!!