تكريم بعد فوات الأوان

لم يتذكر مهرجان القاهرة السينمائي صاحب المومياء، شادي عبدالسلام إلا بعد غيابه عن دنيانا زهاء ربع قرن من عمر الزمان 1986، فها هو ذايستغل فرصة ترميم فيلم المومياء بفضل رعاية عاشق السينما »مارتين سكورسيزي« صاحب »سائق التاكسي« الفيلم الفائز بسعفة كان الذهبية 1976 والفائز هو بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج 2007. فيتخذ من ذلك الترميم الذي لولاه لأصبح المومياء رائعة السينما المصرية نتيجة الإهمال الجسيم هو والعدم سواء.
shadyأقول يتخذ منه ذريعة لتكريم مخرج غاب عن دنيانا دون أن يحقق حلم حياته ألا وهو إبداع فيلم عن »اخناتون« الفرعون الملعون تحت اسم »مأساة البيت الكبير«. ولقد كان من بين برنامج التكريم ندوة عقدت قبل منتصف الليل بقليل شارك فيها من بقوا علي قيد الحياة ممن شاركوا في إبداع فيلم »المومياء« وهم قلة ربما أقل من أصابع اليد الواحدة، وبوصفي مدير الرقابة الذي أجاز سيناريو الفيلم وقتها 1967 شاركت في الندوة التي انتهت بخير بعد منتصف الليل بكثير. وشادي حسبما جاء علي لسان المشاركين في الندوة لم يكن كغيره من صانعي الأفلام المصرية تميز عنهم بشيء جعله مخرجا فريدا..
zuzuذلك الشيء هو اتقاد شرارة الشغف بتاريخ مصر القديم في قلبه. والمذهل المثير للسخرية أنه لم يستطع التعبير عن شغفه هذا إلا بفضل السينما الأجنبية عندما اكتشفته فوقع اختيارها عليه لتصميم المركب الفرعوني لفيلم »كليوباترا« بطولة اليزابيث تايلو وريتشارد بيرتون وثانيا تصميم ديكور وملابس الفيلم البولندي »فرعون« 1967. ولولا قيامه بتصميم ديكور وملابس حلقة عن الحضارة المصرية القديمة من مسلسل »الصراع من أجل البقاء« لصاحبه روبرتو روسيلليني رائد الواقعية الجديدة وذلك إثر لقاء سعيد بين شادي والمخرج الايطالي الشهير لولا ذلك لما كان في وسع شادي ابداع لا فيلمه الروائي الطويل الوحيد »المومياء« ولا فيلمه الروائي القصير »الفلاح الفصيح« 1969 وكلاهما لايزال حدثا جليلا في إنتاج السينما المصرية خارجا عن المعتاد في ذلك الإنتاج الذي يغلب علي أفلامه الاستسهال والإهمال لشأن كل ما له اتصال ولو من بعيد بحضارة قدماء المصريين. ولأن أعداء التلاحم مع تلك الحضارة كانوا لشادي بالمرصاد فقد عملوا جاهدين بعد نجاحه في اخراج هذين الفيلمين من أجل الحيلولة بين سيناريو »مأساة البيت الكبير« الذي كتبه شادي قبل غيابه عن دنيانا بأربعة عشر عاما وبين ترجمته الي لغة السينما. وفعلا جاء رحيله وليس له رصيد من الأفلام الروائية الطويلة سوي فيلم يتيم هو »المومياء«. والحق أنه فيما عدا شكاوي الفلاح الفصيح لم يخرج شادي بعد المومياء سوي أفلام تسجيلية قليلة من بينها »جيوش الشمس« عن العبور الي سيناء يوم السادس من أكتوبر 1973، ومن خلاله ومن خلال الأفلام التسجيلية الأخري سعي شادي الي التعريف بحضارة قدماء المصريين، وأن يفشل شادي بعد طول معاناة في إخراج »مأساة البيت الكبير« رغم فوز المومياء بجائزة جورج سادول الناقد الفرنسي الكبير المخصصة لأفضل فيلم ورغم إجماع النقاد في مشارق الأرض ومغاربها علي أنه واحد من أفضل الأفلام التي انتجتها السينما المصرية فإن ذلك كما يدل دلالة قاطعة علي عمق الأزمة التي تعاني منها سينما فقدت القدرة علي إعمال الخيال.
mumia_shady