كم كنت أتمنى أن أقصر الحديث حول أمرين، أحدهما عروض الملتقى السينمائي بالمجلس الأعلى للثقافة، كيف بدأت متوجة بالنجاح، ولماذا انتهت، وشبح الفشل واقفاً لها بالمرصاد.
والأمر الآخر “الشرق شرق”، ذلك الفيلم الانجليزي الذي أتيحت لي فرصة مشاهدته، وأنا على سفر خارج ديار مصر.
فهو عندي واحد من أحسن الأفلام التي أنتجتها السينما البريطانية، مشاركة مع تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية، خلال العقد الأخير من القرن العشرين.
سر التشاؤم
ومع ذلك، فلا أتوقع في ضوء ما حدث لعروض ذلك الملتقى السينمائي، أن تتاح لنا فرصة مشاهدته هنا في مصر، لا في المستقبل القريب أو البعيد.
أما لماذا غلبة التشاؤم على توقعي، فذلك لأن “الشرق شرق” فيلم يعرض بصدق وجرأة لحياة المهاجرين الباكستانيين في بريطانيا، من خلال معاناة أسرة كبيرة، مكونة من أب باكستاني متمسك بهويته، وأم انجليزية، وسبعة أولاد.
والصدق والجرأة، كلاهما أمر غير مرغوب في زماننا. أقول كم كنت أتمنى، ولكن إدراك كل ما أتمناه أمر من الصعوبة بمكان.
وعلى كُلٍ، فما حال بيني وبين الحديث الذي تمنيته، ثلاثة أحاديث أدلت بها النجمة “إلهام شاهين”.
أولها مع جريدة “الحياة” الغراء، وثانيها مع مجلة “الإذاعة والتليفزيون”، وآخرها مع مجلتنا “السينما والناس”.
وفي أحاديثها الثلاثة، دافعت “إلهام” عن فيلم “جنون الحياة” دفاعاً حاراً.
حق الخيانة
ومن بين ما جاء في دفاعها أن المرأة إذا ما خانها زوجها، فمن حقها أن تخونه هي الأخرى.
وأن الفيلم يدق ناقوس الخطر، داعياً إلى العودة لعاداتنا وتقاليدنا الشرقية.
وغني عن البيان أن القول بمنح المرأة حق الانتقام من زوجها بخيانتها له، رداً على خيانته لها، أمر لا يتفق مع الدعوة إلى العودة لعاداتنا وتقاليدنا الشرقية.
فتلك العادات والتقاليد لا ترضى بأي حال من الأحوال، ذلك النوع من الانتقام.
ومهما يكن من أمر فالسؤال المطروح هل جنون الحياة يدق حقاً ناقوس الخطر، حسب قول إلهام شاهين؟
من عجائب الوضع السينمائي المعاصر في مصر أن أول فيلمين من إنتاج التيلفزيون يجري طرحهما للعرض العام، في أثناء العام الأول من القرن الواحد والعشرين، كلاهما موضوعه مأخوذ عن قصتين للأديب إسماعيل ولي الدين. وأقصد بالفيلمين “رجل له ماضي” و”جنون الحياة”.
عودة الأب الضال
وأحداث الفيلم الأول إنما تدور حول ثري مسن “كمال الشناوي”، عاد إلى أرض الوطن بعد غياب دام ربع قرن من عمر الزمان.
ولأنه لم يبق له من العمر إلا القليل، وحاسته السادسة تهمس له قائلة أن لديه ابنة غدر بها بعد ولادتها، فتركها وهي في المهد، ولا يعرف من أمرها شيئا.
فقد آل على نفسه أن يكفر عن خطيئته في حقها، بالبحث عنها، والاعتراف بها، حال العثور عليها، ابنة شرعية، حتى تؤول إليها ثروته الطائلة، التي جمعها، وهو في الغربة، بعيداً عن الأحباب.
وفي أثناء قيامه بالبحث عن الابنة الغالية، تعرف على الشقي “فاروق الفيشاوي” الذي سرعان ما نعرف أنه متزوج من أربع، إحداهن الابنة المنشودة “ليلى علوي”.
ولغرض في نفس كاتب القصة، تمكنت الابنة، قبل الالتقاء بالأب من التحرر من أسر الزوج الشقي، والعمل في أحد الكباريهات.
فواجع بالجملة
ومع اقتراب الأحداث من النهاية الفاجعة، يكتشف الزوج أين تعمل “ليلى”، ويطعنها في مقتل.
ويكتشف الأب الملتاع أن ابنته امرأة سوء مصابة بالإدمان، وبرصيد كبير من قضايا الآداب!!
فإذا ما انتقلنا إلى قصة “جنون الحياة” فسنجد أن أحداثها إنما تبدأ باكتشاف المهندسة المعمارية “سناء” (إلهام شاهين)، عن طريق الهاتف أن زوجها “وسيم” (محمود قابيل) يخونها مع امرأة أخرى، أقل منها فتنة وجمالاً.
ومن هنا عزمها الانتقام منه، بخيانته مع سائقها الخاص”مجدي” (كريم عبد العزيز).
ولكن فاتها أن ثمة علاقة آثمة أخرى بين “مجدي” وامرأة بنت بلد شهوانية، صاحبة مشتل كلما ارتوت بفحولته أجزلت له العطاء.
تتعقد الأمور أكثر، عندما يلتقي مجدي بابنة أخ أو أخت سناء “ياسمين عبد العزيز” القادمة لتوها من بلاد العم سام.
فإذا بنا نكتشف أنهما صديقا طفولة. وإذا بهما يكتشفان أن قلبيها قد اشتعلا حباً، وأن من الواجب عليهما أن يتزوجا، إذا كانا يريدان لحبهما أن يستمر طاهراً، نبيلاً.
الغيرة القاتلة
ولكن فاتهما أن غيرة بنت البلد الشهوانية غيرة قاتلة، ولابد أن تنتهي بحبهما شهيداً!!
وواضح مما تقدم أنه لا صلة بين كل هذه العلاقات الآثمة وبين خطاب العودة إلى عاداتنا وتقاليدنا الشرقية!!