دفاعا عن فنان مفتري عليه

حملة شرسة علي وسائل التواصل الإجتماعي ، موجهة ضد الفنان القدير نجيب الريحاني ؛ وحتي الآن لا أعرف لها سببا.
rehani1ولأن الريحاني قد لعب دورا كبيرافي النهوض بكل من المسرح والسينما في ربوع مصر، علي مدار عدة عقود من عمر الزمان ، فقد كان لزاما علي أن أشارك في رد الإعتبار إلي سيرته من محاولات تلطيخها بأقوال مرسلة تفتقد الصدق ، ولا غرض منها سوي تحريف تاريخ الفن المصري الحديث ورواده الأوائل الكبار.
وتحقيقا لذلك لم أَجِد خيرا مما جاء في مقال للأديب المصري الأشهر عباس محمود العقاد، الذي نشر في مجلة الكواكب قبل حوالي سبعين عاما، وتحديدا في عدد يوليو من عام ١٩٤٩، تحت عنوان “رجل خلق للمسرح”.
وأكتفي ببضع فقرات من ذلك المقال الرائع، تشيد بعبقرية الريحاني مع بيان ماهيتها.
وهكذا تجري بعض الفقرات المختارة من ذلك المقال، وأبدأ بالفقرة التي استهل بها المقال وتجري علي النحو الآتي :  نجيب الريحاني الممثل الوحيد الذي أستطيع أن أقول إنني عرفته من الوجهة الفنية معرفة كافية لتقديره ونقده، لأنني رأيته في جميع أدواره التي مثلها منذ ظهوره علي المسرح العربي في أثناء الحرب العالمية الأولي، فلا أذكر أن رواية واحدة من رواياته  فاتتني طوال هذه المدة، ومنها  ما شهدته  مرة بعد مرة، لأنه الممثل الذي يغنيك تمثيله أحيانا عن موضوع التمثيل.
وهذه هي طبيعة الأداء في الفن الجميل.
والآن إلي بضع فقرات من المقال أكد بها العقاد عبقرية الريحاني، وأبدأ بفاتحتها:
الأثر الذي تركه هذا الفنان القدير في نفسي من أدواره المتعددة أنه رجل خلق للمسرح، ولم يخلق لشيء غيره.
ومن آيات ذلك ما جاء ذكره في الفقرات التالية، أقف عند بعضها فقط لضيق المجال، وها هي كاملة:
هو علي المسرح كالسمكة في الماء، دخوله إليه وحركته عليه وكلامه وسكوته وإيماؤه وقيامه وقعوده طبيعة من صميم الطبيعة تنسيك كل تكلف يحتاج إليه الفنان حين ينتقل من العالم الخارجي إلي عالم الفن والرواية.
وليس ينطبق عليه في هذه الحالة أن تقول إنه يلبس دوره أو إن دوره قد استولي عليه، فالواقع أنك تنسي الإزدواج بين شخصية الدور وشخصية الممثل حين تنظر إليه، كأنهما وحدة لا تسمح بالإزدواج، وهذه المزية  الكبري في فن التمثيل “مزية الفناء في الشخصية  المسرحية” تأتي علي ما أعتقد من طريقين:  إحداهما قدرة تنويمية كأنما ينوم الممثل نفسه تنويما مغناطيسيا لإيحاء الشخصية إليها وصرفها في حالة التنويم عن كل ما عداها.
والأخري سهولة السليقة أو سهولة إرسال النفس علي سجيتها، وهي طريقة الفنان الذي يحب نوعا معلوما من الشخصيات يتلبسه بسهولة وبغير كلفة.
واستغراق الريحاني في طبيعة دوره كان ينسيه نفسه وينسيه جمهوره. ولو أنك تخيلت الدار خالية من النظارة ، لما تخيلت له أسلوبا غير أسلوبه المألوف في تمثيله،  ولعله من الآحاد المعدودين الذين مثلوا علي المسرح ومثلوا في الصور المتحركة دون عنت أو مشقة في كلا الحالتين.
ورسالة الريحاني وراء الستار لا تقل عن رسالته أمام الأنظار، فلم يكن هذا الممثل النابغ ممثلا علي المسرح و كفي بل كان معلما للمثلين، ومعلما كذلك للمتفرجين .
وختاما يبقي لي أن أذكر بالرائعة السينمائية  “غزل البنات” التي لعب فيها الريحاني الدور الرئيسي، وكان آخر دور له في دنيانا، وكان والحق يقال  مسك الختام.
rehani2