يدور فيلم “الرجل السندريلا” حول سيرة “جيمس برادوك” الملاكم الأمريكي الأشهر والمنحدر من أصل ايرلندي. وسيرته، والحق يقال، من ذلك النوع من السير الغريبة كل الغرابة، المبهرة كل الابهار.
ولأنها كذلك، فهي من السير المؤهلة للترجمة إلى لغة السينما في فيلم، ولا أقول أفلاماً ومسلسلات، بها من التشويق الكثير.
الولع بالعنف
وأغرب ما عجبت له وأنا أشاهد الفيلم المستوحى من سيرته، لصاحبه “رون هوارد”، ذلك المخرج الفائز هو وفيلمه “عقل جميل” بالأوسكار (2002)، امتناع هوليوود، زمناً طويلاً، وعلى غير المعتاد عن تحويل سيرة ذلك الملاك الأشهر إلى فيلم، رغم ولع استوديوهاتها ولعاً شديداً بالملاكمة لقيامها على عنف عضلي مستحب من الجمهور في بلاد العم سام.
ولعل خير دليل علي هذا الولع كثرة الأفلام التي يدور موضوعها، وجوداً وعدماً، حول بطل ليس له مهنة في الحياة سوى احتراف توجيه اللكمات، سريعة عنيفة إلى جسم خصمه في حلبة الملاكمة، حتى يهزمه بالنقاط او بالضربة القاضية وأحياناً يرديه قتيلاً.
وآخر هذا النوع من الأفلام “فتاة بمليون دولار” (2004) رائعة النجم “كلنت ايستوود” الفائزة بجوائز أوسكار أفضل فيلم ومخرج “ايستوود” وممثلة رئيسية “هيلاري سوانك” وممثل مساعد “مورجان فريمان”. الأكيد إذن أن مصنع الأحلام في عاصمة السينما مولع بالملاكمة.
ومن منطلق ولعه هذا يغدق على انتاج الأفلام المستوحاه منها المال والجوائز، بغير حساب.
سر عدم الترحيب
ومع ذلك، فلم يتحمس كثيراً، لانتاج فيلم مداره سيرة الملاكم الشهير “برادوك” الشهير بـ “الرجل السندريلا” رغم أن وقائعها ترجع إلى زمن موغل في القدم، وبالتحديد فيما بين منتصف عشرينات ومنتصف ثلاثينات القرن العشرين.
ورغم أن ثمة كتاباً عنها تحت عنوان “الرجل السندريلا”، استوحاه مؤلفه “جيريمي شهاب” من تسمية ابتدعها “دامون رانيون” أحد كتاب الأعمدة التي تعرض لما يحدث في “برود واي” شارع الملاهي الشهير.
أرجح الظن أن عدم الحماس هذا أنما يرجع إلى أن أي فيلم، إذا أراد صاحبه أن يعرض فيه بأمانة وصدق لحياة عاصفة مثل حياة “الرجل السندريلا” في مراحل الحياة المختلفة أشدّ اختلاف، بدءًا من سقوطه في هاوية الفقر والحاجة والسؤال، وانتهاء بصعوده إلى أوج المجد، بفضل فوزه على “ماكس باير” بطل العالم في الوزن الثقيل (13 يونية 1935).
الاعصار المميت
فسيجد نفسه بالوقوف طويلاً عند الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي بدأت عام 1929، وكان لها على المجتمع الامريكي وقع اعصار مميت.
فقد قذفت تلك الأزمة بخمسة عشر مليون عامل في أتون بطالة كلها ذل وحرمان.
وكان من بين ضحايا هذه الأزمة “الرجل السندريلا” ويؤدي دوره النجم الاسترالي “راسل كراو” السابق له الفوز بأوسكار أفضل ممثل رئيسي عن أدائه في فيلم “المصارع”.
كما كان من بين ضحاياها زوجته الصابرة “ماي” وتؤدي دورها النجمة “رينيه زيلڤجر” وأولاده الثلاثة الذين قطع عنهم تيار الغاز والكهرباء، أثناء شتاء قارس البرد فذاقوا مرارة العيش محرومين من كل متاع الحياة.
الصورة تطلع حلوة
ومما يعرف عن مصنع الأحلام أن أولي الأمر فيه لا يميلون إلى انتاج أفلام، يتلقى من خلالها المتفرج خاصة غير الامريكي، عن الحياة في بلاد العم سام صورة كئيبة وداكنة، قد يفهم منها أن الولايات المتحدة، كغيرها من بلاد العالم، تتعرض لأزمات اقتصادية وسياسية عنيفة، فيسئ الظن بالمجتمع الأمريكي وبقدرته على مواجهة عاديات الزمان.
وربما يفقد ثقته في زعامة أقوى وأغنى دولة في عالمنا!!