سيرة نجمة كبيرة

أمر صاحبة هذه السيرة التي أحدثك عنها أعجب من العجب. فقد ولدت في بداية القرن العشرين، وبالتحديد سنة 1907. وكان مولدها في عائلة من عائلات نيو انجلاند العريقة، التي جاء أجدادها الأوائل إلى العالم الجديد، مستقلين “الماي فلاور” تمخر بهم بحر الظلمات.

نشأت في بيت كبير، يقوم على رعاية شئونه خدم وحشم، وبين أحضان والدين عرف عنهما النشاط القوي وحدة الذهن، وحب التقدم.

فأبوها كان جراحاً ناجحاً، داعياً إلى تحرير العقل، وتعليم الناس أسرار الجسم.

وأمها كانت امرأة اجتماعية، داعية إلى حصول النساء على حق الانتخاب، والي تحديد النسل، رغم أو ربما لأنها أنجبت ستة أطفال، نصفهم من الذكور والنصف الآخر من الإناث.

ولكني نسيت  أن اسميها، وقد كان يجب  أن أبدا هذا الحديث بتسميتها، فهي كاترين هوتون هيبورن، وشهرتها كاتي هيبورن النجمة الذائعة الصيت.

النجوم.. أسرار

وكاتي بين النجوم وحيدة نوعها. فما أظن  أن أحداً – رجلاً كان أم أمراة – ظل مثلها يعمل في دنيا التمثيل بلا انقطاع، على امتداد نصف قرن من عمر الزمان أو يزيد.

وما أظن  أن نجماً في سماء هوليود أو غيرها من السماوات، استمر نجماً ساطعاً مدة طالت أكثر من ستين عاماً.

وما أظن  أن انسانا في مصنع الأحلام يستطيع  أن يفاخر مثلها بالانتصار في مضمار أوسكار، وذلك بالخروج منه متوجاً بجائزة أحسن مثلة رئيسية، لا مرة ولا مرتين، وإنما أربع مرات، آخرها عن أدائها لدور الأم أمام هنري فوندا في فيلم البحيرة الذهبية (1982)، وكانت قد بلغت من الكبر عتياً.

والسؤال.. كيف استطاعت “كاتي”  أن تحقق كل هذا الانجاز؟

كيف نجحت في الصمود لعاديات الزمن وأين ؟

في مدينة يسودها شيطان الربح، وتموت فيها النجوم، وهي في ريعان الشباب.. لاتزال!!

هذا ما أجابت عنه “كاترين هيبورن” قبل أشهر بصراحة ترجع بعض الشيء إلى اختيارها لنفسها قبل ستين عاماً، أي منذ أصبحت نجمة، أن تعيش امرأة حرة متحررة من قيود الزواج، وما ينتج عنه من أعباء، لعل أهمها الأولاد.

وكان ذلك في كتاب تحت عنوان “أنا.. أقاصيص من حياتي” بثته حصاد سنين طوال، في أسلوب سهل ممتنع، ممتع، خالٍ من أي تعقيد، فيه من روحها وطريقتها في الكلام، تلك الطريقة التي أصبحت من العلامات المميزة لشخصيتها في الأفلام، فيه من كل ذلك الشيء الكثير.

الأيام الجميلة

كانت الحياة سخية مع صاحبة ذلك الكتاب، فقد حباها الحب والعذاب، وهما المتاع الأمثل لأية ممثلة عظيمة، وبدونهما لا يتحقق لها طول البقاء.

فحياتها، وهي طفلة، كانت رائعة بل أكثر من رائعة. ولم لا، وقد توافرت لها أسباب الأمان.

فهناك الشعور بالاطمئنان عند العودة إلى البيت وجود والدين يغدقان عليها الحب بلا حساب. والاحساس بالرضا والهدوء والثقة الباسمة التي تنشأ عن هذا الاطمئنان.

ومن هنا نجد كثرة استعمال صاحبة الكتاب، وهي تعرض لما مر بها في أثناء مرحلتي الطفولة والصبا، لعبارات من قبيل “كنت سعيدة الحظ” و”كانت الحياة ممتعة”.

طريق الآلام

أما العذاب، فقد جاءها هو الآخر مبكراً، وليس لها من العمر سوى أربعة عشر ربيعاً، باختفاء “توم” أكبر اشقائها، وأقربهم إلى قلبها، بواحدة من أغرب حوادث الموت.. كيف؟

صباح يوم الفصح، ذهبت إلى المائدة لتناول الأفطار. أدهشها أن “توم” غير موجود في مكانه المعتاد، جرت في أنحاء بيت العمة “ماري تاول” بنيويورك حيث كانت تقيم هي وشقيقها، بمناسبة عطلة الأعياد. وأخيراً عثرت عليه متدلياً من حبل مربوط إلى خشبة سقف غرفة علوية تلامس قدماه الأرضية، أو تكادان.

وكان  أن فزعت إلى الشارع تستغيث ولكن بعد فوات الأوان. فشقيقها العزيز كانت عيناه بلا رعشة، ولا ومضة وجسمه بلون الرماد.

فإذا ما صارت شابة في عمر الزهور، تزوجت ممن مالت إليه “لدلو اوجدن سميث”، ذلك الزوج العاشق الولهان الذي اضطرته إلى تعديل اسمه بحث أصبح “سميث اوجدن” لا لسبب سوى أنها لم تكن ترغب في  أن تحمل اسماً دارجاً مثل اسم السيدة سميث.

ومع ذلك فقد راعها بعد أشهر قليلة، أنها لا تصلح للزواج ومسئولياته من أمومة، وما إلى ذلك من آثار الرباط المقدس التي ليس لزوجة منها فكاك، فكان  أن حصلت على الطلاق.

اللعنة والنجاة  

وتستمر رحلة العذاب.

فبعد نجاحها في هوليوود بالفوز بأوسكار أفضل ممثلة عن دورها في ثالث أفلامها “مجد الصباح” (1932). وبعد تعلق الجماهير بها بفضل دورها الرائع في فيلم “نساء صغيرات” (1933).

LITTLE WOMEN, Joan Bennett, Jean Parker, Katharine Hepburn, Frances Dee, 1933

أخذ شبح الفشل يطاردها فيما تمثل من أفلام.

فباستثناء “أليس آدمز” (1935) كان الفشل من حظ الأفلام الثمانية التي مثلتها على امتداد خمسة أعوام.

وفي مدينة لا حديث فيها إلا عن البيع والشراء وعن الربح والخسارة، عن أسهم تصعد وأخرى تهبط، اطلقوا عليها “سم الشباك” هذه القسوة المسلطة فوق رأسها ألهبتها سوطها الحامي، فكان  أن غادرت هوليوود بحثاً عن خلاص.

حديث المدينة

في هذه الأثناء، كانت الحرب الثانية بأهوالها تدق على الأبواب، سحب عاصفتها المميتة تتجمع منذرة بالاقتراب، ولا حديث في طول أمريكا وعرضها إلا عن “ذهب مع الريح”.

ومن بين ما قالته “كاتي” في كتابها عن هذه القصة أن مؤلفتها “مارجريت ميتشل” ارسلت لها نسخة منها، ما أن قرأتها حتي وجدتها عملاً يصلح للسينما.

تصادف، بعد ذلك، أن توجهت بعربتها إلى منزل “دافيد سلزنيك” لاستصحاب شقيقه “مايرون” في نزهة نهاية الأسبوع.

وعندما دقت الجرس، وفتح الباب أطلّ منه “دافيد” وكان ممسكاً في يده دور”سكارليت” وهو لإخراج “ذهب مع الريح”.

ولكن سرعان ما غيرت الأقدار الأدوار، فإذا “سكارليت” من نصيب ممثلة انجليزية غير معروفة اسمها “ڨيڨيان لي”، يكتب لها فيما هو قادم من أيام أن تتوج بأوسكار مرتين، وأن تعيش بعد هذه الأمجاد حياة قصيرة ممتلئة بالخطوب والعذاب.

وإذا بـ”چورچ” مخرج أجمل أفلامها، يرفت هو الآخر من “ذهب مع الريح”.

وعن واقعة الرفت الأخيرة، قالت في كتابها “لم يفصح لي “چورچ” أبداً عن السبب، وأنا لم أسأله أبداً” وعلى كل فبعد هذا الاحباط شدت “كاتي” الرحال إلى نيويورك، حيث لعبت دور “تراسي لورد” في “قصة فيلادلفيا” على خشبة المسرح في برودواي.

اللقاء السعيد

أحبها النقاد والناس في الدور، فاشترت حق عمل سينمائي من تلك المسرحية، ثم قفلت راجعة إلى عاصمة السينما في الغرب، حيث باعت ذلك الحق إلى شركة “مترو جولدين ماير” بربع مليون دولار، وهو مبلغ مذهل في تلك الأيام، وحيث قامت بأداء الدور في فيلم أمام كل من “چيمس ستيورات” “وكاري جرانت” (1940).

وعن “لويس ماير” قيصر تلك الشركة التي جعلت من الأسد شعاراً لها، انتزعت “كاتي” من  حافظة السنين صورة مختلفة له عن صور الآخرين، حين وصفته في كتابها بأنه أشرف شخص تعاملت معه على مر الزمان!!

ومنذ بداية الأربعينيات، وهي متربعة على عرش السينما، تظهر النجوم، وتختفي، ونجمها باق يلمع في السماء.

الصعود والتجلي

وها هي ذي تختار “سبنسر تراسي” الحاصل على أوسكار مرتين، كي يتقاسم معها بطولة فيلم “امرأة السنة” (1941) فتحسن الاختيار.

ويتكرر ظهورهما معاً في تسعة أفلام آخرها “خمن من هو زائر العشاء” ذلك الفيلم المعادي للعنصرية ضد السود (1967) عقب حصولها على أوسكار للمرة الثانية عن أدائها لدور الأم أمام “سبنسر” في الفيلم الأخير، وبالتحيد في تمام الساعة الثالثة من صباح يوم العاشر من يوينة لسنة 1967، سمعت “كاتي”، وهي في حجرة نومها، صوت خطوات “سبنسر” متجهة نحو المطبخ، فقفزت مهرولة اليه، ولكنها سرعان ما سمعت صوت تحطم كوب وارتطام.

وما  أن فتحت باب المطبخ حتي وجدته جثة لا حراك بها.

اشاعة حب

ولست أريد  أن الخص هنا خير ما في فصل “ترك بيت كاليفورنيا” من الكتاب ذلك الفصل الذي خصصته “كاتي” لموت”سبنسر” ووصف بيته الذي قضيا فيه معا أجمل سنوات العمر.

وهو تصوير لقائهما الأول، وكيف رأى “سبنسر” أظافرها متسخة، وكيف تصور أنها امرأة منحرفة لا تميل إلى جنس الرجال.

ولا  أن الخص موقف زوجته “لويز” وابنته “سوزي” وابنه الاطرش “جون” عندما أبلغتهم “كاتي” خبر الوفاة والتقوا الثلاثة بها حيث كانت تقيم مع الفقيد.

وانما اكتفي بنقل الحديث الذي جرى تليفونياً بين “كاتي” وبين الزوجة بعد موت “سبنسر” بأيام” انت عارفة يا لويز، أنه ممكن أنك وأنا نصبح أصدقاء أنت عرفتيه في البداية، وأنا في النهاية، وفي امكاني مساعدتك في رعاية الأولاد”.

وجاء رد أرملة “سبنسر” مفاجئاً “حسناً، نعم ولكني كنت أظن  أن ما بينكما إشاعة..” !!

وتعلق كاتي قائلة: “بعد ما يقرب من ثلاثين سنة؟ اشاعة؟ ما الرد على هذا ؟ الجرح كان غائراً لا يندمل حوالي ثلاثين سنة وأنا مع “سبنسر” في الحلو والمر ويقال اشاعة.

وهكذا، وبفضل عدم اعترافها أبداً بأني موجودة، ظلت الزوجة، وظلت ترسل بطاقات التهنئة بعيد الميلاد وبقي “سبنسر” المذنب، وهي الضحية المعذبة، أما انا فقد نشأت في بيئة متحررة، ولم أحطم زواجهما، فقد كان حطاماً قبل ظهوري على مسرح الأحداث بزمن طويل”.
(يلاحظ أن “كاتي” بروتستنتية، في حين أن”سبنسر” و”لويز” كاثوليكيان، أي من طائفة تعتبر الطلاق وتحديد النسل من الذنوب التي يتعين معاقبة مرتكبيها عقابا شديداً).

وهنا، تجدر الإشارة، والحديث عن حب دام حوالي ثلاثين سنة، إلى واحد من أهم فصول الكتاب، ذلك الفصل الذي أفردته صاحبة السيرة “لسبنسر” تحت عنوان قصير من كلمة واحدة لا غير “حب”.

التعريف السليم

فيه تقول  أن حبها له كان من ذلك النوع الذي يملك على المحب كل شيء، فيصرفه عن كل شيء حتي ينتهي به الأمر إلى  أن يفنى فيه.

عرفته، ولها من العمر ثلاث وثلاثون سنة. وهذا يعني أنها انتظرت طويلاً، حتي التقت بالشخص الذي ترك فيه قلبها جذوة لا سبيل إلى اطفائها.

ولعل ما كتبته في تعريف هذا الحب الجامح الذي لا يترك لصاحبه حظاً من اناة أو روية أو تفكير، لعله خير ختام للحديث.

“أحبك.. ماذا تعني ؟ فكر

نحن نستعمل هذا التعبير باستهتار.

الحب ليس له أي ارتباط بما تتوقع  أن تجنيه، وإنما يرتبط بما تتوقع أن تعطيه.. وهو كل شيء.

ما تحصل عليه مقابل الحب، يختلف باختلاف الأحوال.

ولكنه في حقيقة الأمر لا علاقة له بما تعطيه، أنت تعطي لأنك تحب، ولا تستطيع الامتناع عن العطاء”.

This undated handout photo provided by the U.S. Postal Service shows a first-class postage stamp showing Katharine Hepburn, that will go on sale nationwide Wednesday. Katharine Hepburn is 16th movie star in Legends of Hollywood stamp series. (AP Photo/USPS)


katharine-hepburn-quoteslos-4-oscar-de-katharine-hepburn-original