غياب نجم وتحقق حلم

حدث، وأنا في المانيا، امران كلاهما جدير بالحديث عنه، ولو قليلا.

قبل ثلاثة أسابيع وتحديدا يوم الأول من مارس، غاب عن دنيانا عن عمر ناهز الثانية والتسعين نجم من نجوم الموجة الجديدة الفرنسية.

انه المخرج ذائع الصيت «آلان رينيه» الذى جاءته الشهرة بفضل أول فيلمين روائيين، ابدعهما قبل نحو خمسين عاما »هيروشيما حبي« 1959و»السنة الأخيرة فى مارينباد« 1961.
Alain Resnais

ومشواره مع الأطياف لم يبدأ بهذين الفيلمين، بل بدأ قبلهما، ببضع سنوات، اخرج أثناءها العديد من الأفلام الوثائقية، أخص بالذكر من بينها فيلمه القصير عن الفنان التشكيلى »فان جوخ« الفائز بجائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقى قصير (1949).

وهكذا، وعلى امتداد عقد كامل من الزمن، استمر لا يخرج سوى هذا النوع من الافلام الوثائقية، التى تميز من بينها فيلمه عن المحرقة »الليل والضباب« (1955) ذلك الفيلم الذى من فرط حماس المخرج الأشهر »فرانسوا ترينو« له اشاد به قائلا: »انه أعظم فيلم انتجته السينما«.

وعلى كل فالقدر المتيقن ان »الليل والضباب« الذى لا تزيد مدة عرضه عن ثلاثين دقيقة قد فاز بجائزة »جان فيجو« الفرنسية عام 1956.

ويكاد يجمع النقاد على أنه أفضل فيلم أبدعه خيال »آلان رينيه«.

ومن بين مخرجى الموجة الجديدة يعد »رينيه« الأطول عمرا، والأكثر مثابرة وحفاظا على الفكرة السائدة عنده والقائمة على اننا سجناء ذكرياتنا سواء كانت حقيقية أم من بنات الخيال.

فعلى مدى ستة عقود من عمر الزمان، استمر فى ابداعه، لا يثنيه عن اخراج الأفلام لاسن، ولا عقبات أخرى تحول بينه وبين تحقيق ما يريد، فى مجال صناعة الأطياف.

وحتى عهد قريب وقبل أن يجيئه الموت ببضعة أيام، كان مشاركا فى مهرجان برلين السينمائي، بفيلمه الأخير »حياة ريلى« (2014) ضمن الأفلام المتنافسة على جائزة »الذب الذهبى«.

وحيث خرج بفيلمه فائزا بجائزة »فيبريس« اتحاد نقاد السينما العالمي.

وختاما فالأكيد أن المخرج الراحل قد أراد لنا بأفلامه سينما أخرى تقول شيئا جديدا غير تلك السينما التى الفناها، لأنها لا تريد لنا أن نعمل فكرنا فيما نرى ونسمع وان تلك السينما الأخرى بأفلامها ستبقى ما بقى الدهر.

هذا عن الأمر الأول

أما الأمر الثاني، فموضوعه يدور حول تحقق حلم سينمائى طال انتظاره زمنا استمر خمسين عاما أو يزيد ذلك الحلم أن يكسر احتكار سينما هوليوود لعقول وقلوب محبى فن السينما فى ربوع مصر.

وان يكون ذلك بانشاء شبكة من دور السينما الصغيرة فى كبرى المدن المصرية تحت مسمى سينما الفن والتجربة أسوة بما حدث فى فرنسا أثناء النصف الثانى من القرن العشرين وكان من نتائجه كسر ذلك الاحتكار.

فبفضل تلك الدور الصغيرة عرضت أفلام من انتاج دول مجهول أمر أفلامها لعامة المتفرجين، مثل كوريا والمكسيك والارجنتين ورومانيا وتركيا وايران وغيرها من الدول الأوروبية والأفريقية والأسيوية ومع مرور الأيام أصبح لأفلام تلك الدول جمهور آخذ فى الاتساع شيئا فشيئا.

أما كيف تحقق الحلم عندنا بعد انتظام طويل، فذلك لأن شابا مولعا بالسينما، آثر ان يركب المخاطر، فافتتح دار سينما صغيرة للفن والتجربة، بوسط القاهرة اسماها »الزاوية«.

وقرر أن تقتصر العروض فيها على روائع السينما العالمية، التى لا تتاح لها فرصة العرض فى دور السينما العادية لأسباب متصلة بقانون السوق الذى تتحكم فيه الايرادات والالتزامات مع الشركات المهيمنة على انتاج وتوزيع الأفلام عالميا.

وكان أول فيلم افتتحت به عروض الزاوية بفيلم السعودى »واجدة« لصاحبته المخرجة »هيفاء المنصور«.
wajda

وموضوعه واقعى جرىء يذكرنا بروائع الواقعية الايطالية فى أوج مجدها، وبخاصة »سارقو الدراجات« لصاحبه المخرج »فيتوريرى دى سيكا«.

فأحداثه تدور حول تلميذة، ليس لها من العمر سوى أحد عشر ربيعا حلم حياتها ان تمتلك دراجة، وتركبها بحرية مثل زملائها التلامذة فى شوارع الرياض حيث تقيم مع أسرتها.

ولكن تحقيق حلمها هذا أمر بعيد المنال، ان لم يكن أمرا مستحيلا، فى بلد يخطر فيه على الفساد سواقة السيارات!!

ومع ذلك فقد تحقق حلمها فى نهاية المطاف، اما كيف تحقق فذلك ما يحكيه بالتفصيل، فيلم يعتبر درة بين الأفلام.