فاتن حمامه من يوم سعيد إلي أرض الأحلام

جاءت فاتن حمامه إلي دنيانا قبل خمسة و ثمانين عاما ، و تحديدا ٢٧ مايو لعام ١٩٣١.
وقبل أن ينتهي العقدالأول من حياتها، وقفت وهي صغيرة تؤدي دورا في فيلم “يوم سعيد” بطولة محمد عبد الوهاب، مطرب الملوك و الأمراء, من إخراج محمد كريم (١٩٤٠)٠
وعن وقوع اختياره على فاتن للقيام بدور في فيلمه هذا، يقول في ذكرياته “من النظرة الأولي أعجبت بالطفلة، وجلست أتحدث معها ساعات، وبعدها أيقنت أنها لا تصلح للدور مائة في المائة فحسب، بل أيقنت أنها أكبر من الدور الذي رشحتها له، وعدت إلي السيناريو لتكبير دور (أنيسه) في كل جزء من أجزائه. لقد كانت “شيرلي تمبل” أعظم وأشهر أطفال السينما في العالم في أوج مجدها في ذلك الوقت، ولكني كنت أقول لأصدقائي، عن إيمان و يقين، إن فاتن حمامه تفوقها بمراحل”.
ولأن الجمهور فتن بالصغيرة “فاتن”، فسرعان ما أسند إليها نجم المسرح و السينما المخضرم يوسف وهبي الدور الرئيسي في فيلمه “ملاك الرحمة” ( ١٩٤٦).
وبدءا من ملاك الرحمة ودعت فاتن مرحلة الطفولة، لتدخل مرحلة الفتاة الملائكية؛ ومن هنا بطولتها لعدة أفلام توكد ملائكيتها، مثل “الملاك الأبيض” لإبراهيم عماره، “ملائكه في جهنم” لحسن الإمام (١٩٤٧)، “كانت ملاكا” لعباس كامل (١٩٤٧)
وأول ما يلاحظ علي مرحلة هذه الأفلام الملائكية من مسيرة فاتن السينمائية، غلبة الطابع الميلودرامي الزاعق عليها.
بعد ذلك، وإن تبلورت في أفلامها اللاحقة صورتها الفنية سينمائيا، علي نحو أكثر نضجا، إلا أن،الطابع الميلودرامي الصارخ مازال سائدا، ولعل خير مثل علي ذلك “اليتيمتان” (١٩٤٨) و “ظلموني الناس” (١٩٥٠)، “أنا بنت ناس” (١٩٥١)، “كاس العذاب” (١٩٥٢)……..وصاحبها جميعا مخرج الفواجع “حسن الإمام”.
وسيظل ذلك الطابع المسرف في ميلودراميته، صابغا لمسيرتها السينمائية زمنا طويلا، بحيث تطلب تخلصها منه جهدا وصبرا متواصلين.
ولأنه مماعرف عنها أنها تتمتع بذكاء حاد، وإرادة من حديد، فما أن جاءتها الشهرة تسعي، وفي وسعها أن تختار ما تشاء من الموضوعات، وترفض منها ما تشاء، حتي بدأ الطابع الميلودرامي لمسيرتها مع الأطياف يضمحل شيئا فشيئا، ومما أعانها علي ذلك كوكبة من الخرجين الكبار الذين ساهموا في إبداع أكثر من فيلم لها، ومن بينهم أذكر علي سبيل المثال لا الحصر، كمال الشيخ، صلاح أبو سيف وهنري بركات.
وعند هنري بركات أتوقف قليلا, لأقول إنه علي مر الأعوام والأفلام أصبح مخرجها المفضل.
وقد توجت العلاقة الحميمة بينهما بأكثر من فيلم رائع وبخاصة فيلم “الحرام” (١٩٦٥) المأخوذ عن قصة ليوسف إدريس.
وقد جري اختياره ليكون ضمن الأفلام المتسابقة لكسب سعفة مهرجان كان حيث كان محل استحسان جمهرة النقاد.
ومع مرور ربع قرن من عمر الزمان علي ظهورها في فيلم “يوم سعيد” ذاع صيتها من الخليج العربي إلي المغرب الأقصى علي وجه أطلق عليها معه من منطلق الحب والتقدير لقب “سيدة الشاشة العربية“.
وتشهد مرحلة ما بعد “الحرام” صعودا في مسيرة فاتن السينمائية وارتقاءا تجلي في تعانق فلكها مع فلك الأجيال الشابة من صانعي الأطياف في ربوع مصر.
ومن هنا تألقها في”امبراطورية ميم” لحسين كمال (١٩٧٢) و “أريد حلا” لسعيد مرزوق (١٩٧٥) و “يوم مر…يوم حلو” لخيري بشارة (١٩٨٨) ثم “أرض الأحلام” لصاحبه المخرج البارع “داود عبد السيد”.
ورغم أنه لم يصادف نجاحا في الشباك،إلا أنه والحق يقال يعتبر واحدا من أفضل أفلام عقد التسعينات، ومسك الختام لمسيرة سينمائية نادرا ما يجود بمثلها الزمان.
وكادت تمضى أيام فاتن بعد “أرض الأحلام” هادئة هنيئة كغدير ماء رقراق، لولا قبولها أداء دور رئيسي في أول وآخر مسلسل تليفزيوني لها في نفس الوقت، وهو عمل لم يضف إلي رصيدها شيئا.
وفجأة و دون أي تمهيد، أسلمت فاتن الروح، في شتاء قاسي البرودة, تحديدا يوم ١٧ يناير لعام ٢٠١٥ وإلي جوار فراشها زوجها الطبيب المرموق.
وقبل أيام، احتفل بذكري مولدها قبل خمسة وثمانين عاما وجري ذلك يوم ٢٧ مايو لعام ٢٠١٦.
وبطبيعة الحال لم يمر ذلك اليوم دون أن نسترجع علي شاشة ذاكرتنا أكثر من مشهد أو لقطة من أفلامها التي بعثت البهجة في قلوب الملايين!!