من هيروشيما إلي فوكوشيما

كان إلقاء قنبلة ذرية علي مدينة هيروشيما، قبل سبعين عاما (٨/٦/١٩٤٥)، إيذانا بنهاية الحرب العالمية الثانية في الشرق الأقصى، و ذلك بأ ستسلام اليابان، وبداية ما اصطلح علي تسميته بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الدائرة في فلكها من ناحية، و الإتحاد السوفييتي و الدول التابعة له من ناحية أخري. وهي حرب لم تكن كغيرها من الحروب فنيرانها لم تشتعل، لا لشيء سوي أن طرفيها كان مسلحا بترسانة من القنابل النووية و الهيدروجينية، الكفيلة، فيما لو استعملت بالقضاء علي الحياة في البر والبحر خلال بضع ساعات، إن لم يكن بضع ثوان.
ومع نشر صور الدمار الشامل، غير المسبوق، الذي لحق هيروشيما، ثم مدينة ناجازاكي، التي ألقيت عليها هي الأخري قنبلة ذرية ثانية، بعد بضع ساعات من إلقاء قنبلة هيروشيما.
ومع اتضاح خطورة سباق التسلح بتلك الأنواع من القنابل، التي يؤدي استعمالها إلي هلاك مئات الآلاف من المدنيين العزل من السلاح، إن لم يكن الملايين.
تحركت الأقلام و الأفلام لتشجب وضع الإنسانية علي حافة الهاوية بسبب غطرسة القوي الذرية العظمى، وقصر نظر نفر من ساستها.
ومن بين الأقلام الرائدة في هذا الخصوص، قلم الأديب الأمريكي “نيفيل شوت”، والأديبة الفرنسية “مارجريت دورا”. فالأول كتب قصة اسماها “علي الشاطئ“، ومدارها حرب نووية أدت إلى نهاية البشرية.
أما هي فكتبت سيناريو تحت عنوان “هيروشيما…. حبيبي”. وكلاهما، أي القصة والسيناريو ترجم إلي لغة السينما بنفس الإسم وذلك قبل حوالي ستين عاما ( ١٩٥٩ ).
و“علي الشاطئ“ فيلم من نوع الإنتاج الضخم، المرصع ببعض النجوم الساطعة في سماء هوليوود “جريجوري بيك“ و “إيفا جاردنر” و “فريد أستير” وأخرجه “ستانلي كرامر”، ذلك السينمائي الذي تميزت أفلامه بأنها تحمل رسالة.
والفيلم يقول، من بين ما يقول، إنه أثناء عام ١٩٦٤، ضغط شخص، ربما عن طريق الخطأ، علي أحد الأزرار فشبت نيران حرب نووية، أحالت كرتنا الأرضية أنقاضا، ولم يبق علي ظهر البسيطة سوي مدن نائية في أستراليا، وغواصة أمريكية تائهة، فيها بضع عشرات من بني الإنسان، محبوسين في مصيدة الموت كالجرذان.
ومن بين الأسئلة التي يطرحها أبطال الفيلم، وهم ينتظرون موتا بشعا بالإشعاع الذري، سؤال لايزال يبحث عن جواب حتي يومنا هذا: من المسؤول عن الخوف المستبد بقلوبنا من الذرة وإشعاعاتها؟ هل هم السياسيون؟ هل هم العسكريون؟ أم أن المسؤول هو ألبرت أينشتاين صاحب نظرية النسبية الذي قال لنا إن الذرة يمكن أن تنفلق؟
وعلي كل فإلفيلم ينتهي بالعالم وقد أصبح خرابا يبابا وكلمة معلقة في ميدان خال تقول “مازال هناك وقت”٠
هذا عن الفيلم الأمريكي الذي فقد الكثير من تأثيره بحكم عاديات الزمن، أما الفيلم الفرنسي، وهو من إخراج “ألان رينيه” أحد رواد الموجة الجديدة الفرنسية، فلا يزال محتفظا بتأثيره حتي هذه الساعة.
وعلي النقيض من الفيلم الأمريكي، فإن “هيروشيما…. حبيبي” ليس من نوع الإنتاج الضخم. بطلاه ممثلة فرنسية وممثل ياباني، وكلاهما غير معروف لجمهور السينما خارج بلده، فرنسا أواليابان.
وبطلة الفيلم فرنسية، نجمة سينما، متزوجة ولها ولدان.
أما البطل فياباني، متزوج، ومهندس. وهما يلتقيان لقاءا عابرا علي أرض هيروشيما.
وقصته هي قصة أول مدينة تدمر مع سكانها بقنبلة دمار شامل.
أما هي فلها بدورها قصة، ولكن في مدينة نيفير بفرنسا، أثناء الإحتلال، وأكتفي بما جاء علي لسانها هي لا هو عن هيروشيما؛ قالت إنها رأت جلودا أصبحت أحجارا، وشعورا سقطت من علي رؤس النساء، و صور الأطفال الذين كانوا في بطون أمهاتهم و نزلوا عميانا، و صورة الرجل الذي عجز عن النوم لسنوات و هكذا…….وهكذا.
وما حدث في هيروشيما قبل حوالي ثلثي قرن من عمر الزمان، يحدث الآن في “فوكوشيما” بفعل انفجار المفاعلات الذرية، وتسلل الإشعاعات، وقد يحدث في بلاد أخري أقل تقدما من اليابان، مثل الهند وباكستان وإيران.
و السؤال القديم لا يزال مطروحا، من المسؤول؟