أمر مدهش أن نتوجه الي دار سينما لمشاهدة فيلم لا نعرف عنه شيئا. لا نعرف من أخرجه، ولا من كتب القصة والسيناريو، حتي ابطاله وبطلاته لا نعرف عنهم سوي انهم من جيل ناشئ، يتحسسون طريقهم، تحمس لهم، علي غير المعتاد منتج جاد، له رصيد من افلام سعي بها الي النهوض بفن السينما في مصر. فإذا ما بدأ العرض، وجدنا أمامنا فيلما يقدم لنا المعاني التي تدور حولها أحداثه بجلاء ومنطق واضح يترتب لاحقه علي سابقه، بفضل سيناريو محكم البناء. ولدهشتنا نكتشف أن صاحب السيناريو »عمر جمال« شاب يسير نحو العشرين،
ورغم صغر سنه استطاع أن يختزن في ذاكرته صورا واقعية من حياة شبان من نفس جيله وفي الوقت المناسب استرجع تلك الصور علي شاشة ذاكرته، حيث تم اختزالها ثم صياغتها في شكل قصة سينمائية وشاركه في ذلك صديق في مثل سنه »محمود مقبل«. ومن هذه القصة استوحي السيناريو بأحداثه التي سرعان ما جري ترجمتها الي لغة السينما في فيلم تحت اسم »أوقات فراغ«،
وأغرب ما عجبت له هو ان مخرجه »محمد مصطفي« ظل يعمل مساعد مخرج لأكثر من خمسة وعشرين عاما دون أن تتاح له فرصة الانفراد بإخراج فيلم روائي طويل قبل »أوقات فراغ «.والاستغراب مرده الي وصول حرفة السينما في الفيلم الي ذروة عالية من البراعة لأن مخرجه أولا عرف كيف يحرك الممثلين والممثلات وينطقهم دون تشويح وثرثرة لا حد لها.لو سئلت ماذا قالت »منة« ـ راندا البحيري ـ أمام الكاميرا لحبيبها »حازم« ـ أحمد حاتم ـ ذلك الفتي الثري، المستهتر، الذي غدر بها في نهاية المطاف؟ وماذا قال لها؟ لما عرفت كيف اجيب ولربما ظننت انهما لم يتبادلا قط كلاما فإن التعبير بالصمت وملامح الوجه، غالبا ما ينسينا الاهتمام بالحوار. ولأنه ثانيا عرف كيف ينقل الينا من خلال التفاصيل جو الحياة التي يعيشها شباب افقده الفراغ والجنس والمخدرات الشعور بأي مسئولية وباعد بينه وبين اي شكل من اشكال الالتزام.
وعلاوة علي ما تقدم فقد أمتعنا الفيلم بلقطات في الشوارع والميادين والملاهي والأماكن المغلقة تدل علي براعة كاميرا سمير بهزان في التصوير ولا يفوتني هنا أن أشير الي براعة مها رشدي في توليف هذه اللقطات علي نحو حافظ علي ايقاع الفيلم وانسيابه دون تعثر من حين لآخر في فجوات تعكر صفو الاستمتاع.
ومن بين مزايا الفيلم الأخري انه قدم بديلا لسينما تحجرت في موضوعات مكررة لا تقول شيئا وتصلبت في وجوه قديمة اغلبها شاخ وباخ. قدم سينما أخري تعرض لهموم الشباب من خلال موضوعات فيها من نبض الحياة الشئ الكثير، ومن خلال كوكبة جديدة من الشبان، بوجوههم الصافية، الجذابة، وملامحهم القلقة وعيونهم الحادة الضاحكة.
وأكثر افراد تلك الكوكبة تألقا أحمد حاتم وعمرو عابد وكريم قاسم وأحمد حداد، وكم كان مذهلا أن نراهم علي الشاشة وهم يصورون شقاوة الاولاد المحرومين من الحنان وهم يعانون من الفراغ، ويعبرون عن جزع المراهقين حين يفاجأون بدناءات العالم فينصرفون عنه ثم ما يلبثون أن يفتشوا عن نبع جديد دون أن يستعينوا بنصح أم، أو ارشاد أب.
يبقي لي أن اقول ان الفيلم تجنب التلفيق لكسب رضاء الجمهور بتبني نهاية سعيدة لأحداثه كما تفعل معظم الافلام فهو ينتهي بابطاله الثلاثة في مدينة ملاهٍ معلقين بين الارض والسماء بإحدي المراجيح، طالبين النجدة، ولا مجيب سوي كلمات للشاعر عبدالرحمن الابنودي يشدو بها المطرب اللبناني مروان الخوري تقول من بين ما تقول: ان الدنيا دوارة وليس لها الأمان!!