كف القمر

هذا الفيلم شاء له صاحباه المخرج خالد يوسف وكاتبه الأثير ناصر عبد الرحمن أن يكون فيلماً جماهيرياً ولكن لم يصادفهما التوفيق فيما شاءا، وذلك لأن “كف القمر” من ذلك النوع من الأفلام العصيه على فهم الناس العاديين فلابد لفهم رموزه، وفك ألغازه من مذكرة ايضاحيه يقرؤها المشاهد قبل بدء عرضه، وأن يكون مرفقاً بها ترجمة لحواره المكتوب بلهجة أهل الصعيد ولأنني شاهدته، دون أن أكون محصناً بمذكرة ايضاحية، وترجمة للحوار فقد غادرت دار السينما بعد مشاهدته ظاناً أنه فيلم يدور موضوعه حول المعذبين في أراضي أقصى الصعيد وكيف يضطرهم البؤس إلى الهجرة من الوادي الضيق إلى الشمال، بحثاً عن حياة أفضل تتيح لهم فرص التحرر من الفقر وربما الصعود والارتقاء.

ومن منطلق أن الفيلم يعرض لواقع الحياه المريرة في أقاصي الصعيد، من خلال معاناة أسرة تواجه بشجاعة عاديات الزمان جنح بي الظن إلى أن ثمة أوجه شبه بينه وبين فيلم “روكو وأخواته” لصاحبه “لوكينو فيسكونتي” المخرج ذائع الصيت، ورائد الواقعية الجديدة الايطالية وموضوعه يدور حول أسرة فقيرة من جنوب ايطاليا وتحديداً من جزيرة صقلية، دفعها بؤس الحياة في الجزيرة إلى الهجرة شمالاً حيث استقر بأفرادها المقام في مدينة “ميلانو” وحيث تعرضوا لمآسي يشيب من هولها الولدان ولكن خاب ظني عندما قرأت بعد ذلك ما جاء على لسان بعض من صانعي الفيلم من بينه قول النجمة وفاء عامر التي أدت دور الأم “قمر” أن تلك الأم ترمز في الفيلم إلى مصر والقومية العربية وقول المخرج أنه كان يفضل عرض فيلمه قبل الثورة، لأنه تنبأ بالهدم وإعادة البناء، مفسراً قوله هذا بمشهد الختام، حيث يقوم أبناء قمر الخمسة ببناء بيت الأسرة الذي كان قد تعرض لعوامل الهدم والتدمير.

والحق أنني لم أفهم “كف القمر” على هذا النحو الذي جاء على لسان نجمة الفيلم ومخرجه، فلم يكن في وسعي مهما شطح بي الخيال أن أفهم أن الأم “قمر” أنما ترمز لمصر وفوق هذا ترمز للقومية العربية وأن كفها بأصابعه الخمسه أنما يرمز إلى أبنائها الخمسة، ويدخل في عدادهم خالد صالح الابن البكر وعلينا أن نطلق عقولنا ونتصور وفاء عامر أماً لخالد صالح!!

وأن عودة الأبناء الخمسة عند وفاة أمهم إلى بيت الأسرة المدمر والاشتراك في بنائه طوبه طوبه إنما يرمز إلى إعادة بناء مصر بسواعد أبنائها الأبرار، وإذا كان ذلك هو المقصود أن نفهمه من سياق الفيلم، فالرسالة لم تصل إلينا نحن المشاهدين وذلك يرجع إلى الإسراف في الرموز إلى حد الافتعال الأمر الذي جعل الفيلم مشوباً بغموض غير مستحب في أي عمل سينمائي، لاسيما إذا كان يراد له أن يكون ثورياً جماهيرياً..