فيلم عصي علي الفهم

وأقصد به «كف القمر» فهو والحق يقال من ذلك النوع من الأفلام التي لابد لفهمها من مذكرة إيضاحية ترفق بتذكرة السينما، فضلاً عن ترجمة لحواره المكتوب بلهجة أهل الصعيد.
كف القمر

ولأنني دخلت دار السينما لمشاهدته، دون مذكرة إيضاحية وترجمة أكون بهما محصناً من عيب عدم الفهم لما ينطوي عليه الفيلم من رموز وألغاز، فك طلاسمها من الصعوبة بمكان.

فقد خرجت من دار السينما معتقداً أن الفيلم يدور موضوعه حول امرأة من بطون ريف الصعيد، تعيش حياة سعيدة، مع زوجها الذي أنجبت منه خمسة أولاد ذكور.. وسرعان ما نكتشف أن زوجها حرامي آثار وأنه ما أن اكتشف كنزاً من كنوز قدماء المصريين، حتي جري قتله بوابل من رصاص عصابة لصوص آثار.. ووسط مصاعب تنوء من ثقلها الجبال، سهرت الأم الشجاعة علي تربية أولادها الخمسة، حتي شبوا عن الطوق، فأصبحوا رجالاً.
Kaf-Elamar

ولضيق سبل العيش في وادي الصعيد الضيق، وجد الرجال الخمسة أنفسهم مضطرين إلي مغادرة بيت وأرض أصبحا خراباً إلي وجه بحري، بحثاً عن وسائل رزق، تنشلهم من معاناة الفقر والشقاء.. ومن خلال لقطات عودة إلي الماضي أثناء بحث كبيرهم «خالد صالح» عن أشقائه الأربعة ليعود بهم إلي الصعيد، للالتقاء الأخير بالأم «وفاء عامر» وهي تعاني سكرات الموت.. نكتشف أن نفراً منهم قد صادفه التوفيق، ونفراً آخر ضل الطريق.

ومن منطلق أن الفيلم يعرض لواقع الحياة القاسية في الصعيد من خلال أسرة تواجه عاديات الزمان بشجاعة، ذهب بي الظن إلي أن ثمة أوجه شبه بينه وبين «روكو وأخوته» رائعة لوكينو تيسكونتي، المخرج الإيطالي ذائع الصيت.

فرائعته هذه يدور موضوعها حول أسرة فقيرة من جنوب إيطاليا، وتحديداً صقلية، هاجرت إلي الشمال الغني، وتحديداً مدينة ميلانو، حيث تعرضوا لمآس، يشيب من هولها الولدان.. ولكن كم خاب ظني عندما قرأت بعد ذلك أقوالاً لبعض صانعي الفيلم من بينها قول نجمة الفيلم «وفاء عامر» إن الأم «قمر» إنما ترمز إلي مصر والقومية العربية.

وقال مخرجه «خالد يوسف»: إنه كان يفضل عرض فيلمه قبل الثورة لأنه تنبأ بالهدم وإعادة البناء، مفسراً بقوله هذا مشهد الختام حيث يقوم الأبناء الخمسة، لعوامل الهدم والتدمير.

والحق إنني لم أفهم الفيلم علي هذا النحو غير المألوف، وذلك لأنه لم يكن في وسعي أن أفهم أن «قمر» الأم إنما ترمز لمصر، وفوق هذا للقومية العربية، هي وأبناؤها الخمسة وأن كفها بأصابعه الخمسة، إنما يرمز إلي هؤلاء الأبناء.. وأن بتر كفها بعملية جراحية، إنما يرمز إلي تركها وحيدة، عندما غادر الأبناء القرية، بحثاً عن الرزق في بر مصر.

وإذا فإني أري كف القمر فلا أفهمه فيجب أن يكون شيئاً لا كالأفلام، ويجب أن يكون مذهب صاحبه شيئاً لا كالمذاهب السائدة حالياً في صناعة السينما.

ومثل هذا النوع من الأفلام المسرف في الغموض والإغراب والعسر، عفي عليه الزمان.