كل حرب ولها اسم خاص بها، يميزها عن غيرها من الحروب، وما أكثرها في تاريخ البشرية القصير.
فعلى سبيل المثال، هناك حرب العاشر من رمضان، وقبلها بستة أعوام حرب الستة أيام.
وهناك في جنوب أفريقيا حرب البوير، وفي وسط أوروبا الحرب السبعينية بين فرنسا والمانيا.
وفي العصور الموغلة في القدم نشبت حرب طروادة. وقياساً على الحروب الأخرى تعد من أطولها، فلقد دامت عشرة أعوام. أو هكذا يُقال. ومع ذلك فهي ليست أطول الحروب المعروفة لنا فحرب البسوس، قبل ظهور الإسلام أطول عمراً.
وكذلك حربا الثلاثين عاماً، والمائة عام في أوروبا. ورغم ذلك، فهي أكثر الحروب شهرة وذكراً.
سر الشهرة
فببسالة أبطالها ومآسيهم تغنى الشعراء، وعن انتصاراتهم وهزائمهم دونت الملاحم، ورسمت اللوحات وكتبت المسرحيات ولحنت الأوبرات وصنعت الأفلام.
ومن بين أهم ما أبدعه الخيال عنها، ملحمتا الإلياذة والأوديسة لصاحبهما “هوميروس” شاعر البداوة اليونانية، “قبل خمسة وعشرين قرناً من عمر الزمان.
ولست أخفي أن البعض يشك في وجود صاحب الملحمتين يريد أن يعتقد أنه شخص خرافي اخترعه القدماء.
غير أن هذا الرأي لا يزال شاذاً، وأن الكثرة المطلقة من العلماء والمؤرخين لا تكاد تحفل به، ولكن من يدري!
حتمية الحروب
وأياً ما كان الأمر في وجوده وعدمه، فملحمتا الإلياذة والأوديسة قد جرى ترجمتها إلى لغة السينما، في أكثر من فيلم صامت ومتكلم.
والآن، يعمل مصنع الأحلام في هوليوود جاهداً، مع وسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى، من أجل إعداد الرأي العام داخل الولايات المتحدة وخارجها، لمواجهة محن ومآسي حرب يشيب من هولها الرضع في حجور الأمهات.. حرب ضروس قد تطول حتى تبدو وكأنها بلا نهاية لجيلنا، وربما لمن سيأتي بعدنا من اجيال.
ولقد وجد أولو الأمر في هوليوود ضالتهم المنشودة في “إلياذة” ” هوميروس ” وشخصياتها الأسطورية خاصة “أخيل” بطل الأبطال.
وفي سير شخصيات أخرى، أخذت الدنيا غلابا، أذكر من بينها الإسكندر الأكبر الذي يجري حالياً انتاج فيلمين ضخمين عن مآثره وفتوحاته، أحدهما للمخرج الأمريكي “اوليفر ستون” والآخر للمخرج الاسترالي “باز لورمان”.
انتاج ضخم
ويعتبر الفيلم المأخوذ عن “الإلياذة” واسمه “طروادة” أحد أكثر أفلام العام الحالي تكلفة، فقد أنفق على انتاجه حوالي مائتي مليون من عزيز الدولارات.
وهو من إخراج “وولف جانج بيترسن” ذلك السينمائي الألماني الذي جاءته الشهرة بفضل فيلم اسمه “الغواصة”، تدور أحداثه وجوداً وعدماً داخل غواصة ألمانية، لم يكتب لأحد من بحارتها النجاة من قنابل طائرات الحلفاء، أثناء الحرب العالمية الثانية.
اختزال الحرب
وفيلمه عن طروادة اختزال من مدة حربها من عشرة أعوام إلى عشرة أيام، تدور أثناءها الحرب سجالاً بين الطرواديين بقيادة “هيكتور” ( اريك بنا) ابن برايام ملك طروادة (بيتر اوتول نجم لورنس العرب) وبين اليونانيين يتزعمهم المنشق “أخيل” (براد بيت).
إلى أن تنتهي بسقوط طروادة، بفضل خديعة الحصان.
اختفاء الأرباب
والفيلم طويل “165دقيقة”، يمر منساباً بغير ملل وعكس ملحمة “الإلياذة” جاء خالياً من الأرباب والربات.
وحتى في المشهد الوحيد، والقصير، حيث التقى أخيل بأمه “ثيتيس” (جوليا كريستي بطلة الدكتور زيفاجو)، وهي في الملحمة نصف ربة- نراه يلتقي بها بوصفها أمّاً عادية فانية، شأنها في ذلك شأن أي انسان.
سبب الحرب
كما أن الفيلم لم يرسم شخصية “هيلينة جميلة الجميلات” التي قامت الحرب بين طروادة واسبارطة بسبب اختطاف “باريس” ابن ملك طروادة لها “اورلاند بلوم” كما في الملحمة، امرأة سطحية، أنانية، لا يهمها سوى نفسها الأمارة بالسوء.
وإنما رسمها شابة في عمر الزهور بريئة، أسيرة زوج مسن (الملك فييلوس) يكبرها بكثير.
روعة الأداء
وختاماً، أحب أن أشير آخر الأمر إلى مشهد في الفيلم، لعله أجمل مشاهده، حيث نرى “برايام” ملك طروادة يتوسل (أخيل) كي يسلمه جثمان ولده، وولي عهده “هكتور” بأسلوب عادي، مستقيم، مشرق البيان، لا يلبث “أخيل” معه إلا أن يدفع إليه بالجثمان، مغسولاً، مغموراً بالعطور، محمولاً بما هو أهل له من تجلة وإجلال.
فالفيلم بفضل هذا المشهد الذي لا ينسى، لا لسبب سوى ارتفاع أداء “اوتول” إلى مستوى رفيع، خليق بممثل شكسبيري كبير، لا يشق له غبار، فيلم جدير بأن يُرى لا مرة واحدة بل مرات!!