ليس ثمة تواصل بيني وبين معهد السينما، منذ أمد بعيد وبالتحديد انقطع أى تواصل، منذ عشرين عاماً، أو يزيد آخر ما أتذكره عن ذلك المعهد، هو اننى فجأة وجدتنى مكلفا من قبل هيئة التدريس به، بالقاء بضع محاضرات على طلبة الدراسات العليا.
وكان الموضوع الذى اخترته، مؤثراً له، ان تدور حوله المحاضرات وجودا وعدما. فلا تحيد عنه أبدا، هو السينما قبل فيلم “المواطن كين” (1941)، كيف كانت وكيف بعده ، وتحت تأثيره، أصبحت أكثر عمقاً، وتعبيراً، لاتقل فى منزلتها الفنية، عن روائع الادب العالمى .
اما لماذا الإيثار له على غيره من الأفلام الكثيرة السابقة على ابداعه، واللاحقه له، بوصفة علامة فارقة فى تاريخ الفن السابع، فذلك لانه بقى متربعا على عرش السينما، سيدا للأفلام، سنوات طوال، نتيجة اكثر من استفتاء لجمهرة النقاد.
وحتى عهد قريب، استمر على هذا النحو، متقدما على غيره من الأفلام، راسخة قدميه فى القمة، لاينازعه فى تسيده عليها أى فيلم آخر، بدءا من اختراع السينما، قبل قرن، وربع القرن إلا قليلا ولان “المواطن كين”، كان أول فيلم لصاحبه “اورسون ويلز”، الذى لم يكن له من العمر، وقت اخراجه له، سوى ستة وعشرين عاما وما لبث، بعد عرض فيلمه ، وترشيحه ، للعديد من جوائز الأوسكار ان أصبح علما من اعلام السينما، ورجحت كفته عالميا على كثير من عمالقة هوليوود، فى ذكل الزمان.
رأيت فى الملائم، ان تستهل اولى المحاضرات بحوار حول ذلك الفيلم الاول، وصاحبه الذى أصبح بفضل اخراجه له على نحو غير مألوف فى تاريخ السينما، نجما لايشن له غبار.
وما أن بدأ الحوار، حتى تبين لي، ولدهشتي، أن جميع الطلبة، فيما عدا طالب واحد، لم يشاهدوا الفيلم، رغم سابقة عرضه على شاشة التلفاز، مصحوبا بترجمة عربية.
وان لا أحد آخر منهم، دفعه حب الاستطلاع إلى مشاهده أى فيلم آخر للمخرج الأشهر.
ومرت الأيام ، اعواما بعد اعوام، أثناءها اخذت صناعة السينما فى التدهور شيئا فشيئاً .
ولم يكن التدهور امراً غريبا، وقد امتنع الدارسون للسينما فى ربوع مصر، عن مشزهدة روائع مشاهير صناعى الأفلام، فى مشارق الأرض ومغاربها، مكتفين، كما قيل لى عن طلبة معهد السينما، بمشاهدة المسلسلات ، بديلا للأفلام !!
وهنا ، لايفوتنى ان اقول، انه مما ساعد على ذلك على ذلك التدهور، وماتبعه فى انحدار مؤد للانهيار، افتصار العروض فى دور السينما على ساقط الأفلام، شكلا وموضوعا بحكم بقاء رقابة متحجرة، راسخة، على قيد الحياة، لاتقيم وزنا لحرية التعبير.
وبحكم امتناع الشركات السينمائية ، عن شراء حق توزيع الأفلام الجادة التى تضيف شيئا جديداً إلى فن السينما.
والأمثلة على ذلك كثيرة، اذكر ، من بينها، أفضل عشرة أفلام ، فازت بالاسد الذهبي، فى مهرجان فينيسيا على مدار سنوات ذلك المهرجان فى رأى نفر من النقاد الفرنسيين.
فماذا كان مصير الأفلام العشرة المختارة فى ربوع مصر؟
لم يعرض منها، عندنا، وفى اضيق الحدود، سوى فيلمين “العاب ممنوعة” و”معركة الجزائر”.
اما الأفلام الثمانية الاخري، فلم يعرض أى منها عرضا عاما، ولاحتى خاصا، الى يومنا هذا!!