مهرجان القاهرة السينمائى له من العمر الآن ثمانية وعشرون عاما فهو إذن علي مشارف بلوغ ثلث قرن من عمر الزمان.. وغني عن البيان أن هذا عمر طويل بالنسبة لمهرجان يتمحور وجوده حول الاحتفال بفن ليس له من العمر سوي مائة عام وازدادوا تسعا. وعادة يتوقع لمهرجان بمثل هذا العمر أن يكون قد بلغ سن الرشد بحيث يستطيع التمييز بين ما ينفعه وينفع فن السينما وما يضره ويضر هذا الفن الوليد الشديد التأثير.
ولكن المشرفين عليه أرادوا له مصيرا آخر ارادوا له منذ البداية أن يكون بلا هوية تميزه عن غيره من المهرجانات.
وأن يبقي مقصورا خاضعا لوصاية رقابة راسخة رسوخ الجبال وعادة لا تقيم وزنا لحرية التعبير ولقد كان من آثار ذلك الخضوع الذليل لتلك الوصاية المعادية لروح العصر فقدان المهرجان لثقة صانعي الأفلام في مشارق الأرض ومغاربها، علي نحو كان لابد أن يتحول معه الي مهرجان محلي ليس له قيمة تذكر إلا في عدد محدود من بلاد حوض البحر المتوسط كإيطاليا وتركيا وفرنسا ربما لأسباب ليس لها صلة بالفن السابع كالحنين الي ماض موغل في القدم كانت السيادة فيه علي العالم القديم تارة لحاكم روما وتارة أخري لحكام اسطنبول وتارة ثالثة لحكام باريس ولعل خير دليل علي تحوله الي مهرجان محلي، ليس له بريق عالمي كما يزعم المشرفون عليه مجئ قائمة الأفلام المشاركة في مسابقته الرسمية خالية تماما من أي فيلم من إنتاج جميع الدول المطلة علي حوض المحيط الهادي وذلك فيما عدا روسيا.
ومن بين هذه الدول غير المشاركة بأي فيلم كندا والولايات المتحدة واليابان والصين واستراليا ومعروف أن مركز الثقل العالمي اقتصاديا وسينمائيا قد انتقل نهائيا من حوض بحرنا العتيق حيث ولدت الحضارة الي حوض ذلك المحيط الهادي، حيث تطل أربع قارات يسكنها ربما نصف البشرية أو يزيد.
هذا ولأنه مهرجان ولد مقصوص الجناح لا يستطيع التحليق حتي يبلغ سماء الحرية بافاقها تلك الآفاق التي بلغتها مهرجانات أخري في بلاد تحررت شعوبها من وطأة استبداد شمولي عفا عليه الزمان.
فإنه دائما ما يتعثر في محاولاته الخطر الي أمام يكرر نفسه بأفلام اغلبها لا يقول أي ئ جديد وان قاله فيقوله باستحياء شديد تجنبا لارتكاب معصية مخالفة احكام نظمت ما يعشد ضد حسن الآداب والنظام العام علي نحو غير مواكب لمقتضيات ثورتي الاتصالات والمعلومات.
فعلي غير المعتاد في المهرجانات الأخري لم تستطع أفلامه تحريك ماء مستنقعه الراكد ولو قليلا وليس أدل علي ذلك من أنه بين كم أفلامه المختارة للعروض أثناء ايامه وهو كم هائل بكل المعايير غابت أفلام رائعة رغم كثرة ما لقيته من إشادة وتكريم.
ومن بينها أذكر علي سبيل المثال »بطل« رائعة »زانح يومي« المخرج الصيني ذائع الصيت وهي رائعة سبق ترشيحها قبل عامين لجائزتي الكرة الذهبية وأوسكار.
»مسيو ابراهيم وزهور القرآن« ذلك الفيلم الفائز بطله عمر الشريف بجائزة أفضل ممثل في المهرجان القومي الفرنسي »سيزار« 2004. »مدرسة البيانو« المأخوذ عن قصة بنفس الاسم للأديبة النمساوية الفريد ابيليك الفائزة بجائزة نوبل ،2004 والفيلم هو الآخر سبق له الفوز قبل ثلاثة أعوام بجائزة مهرجان »كان« الكبري كما سبق لنجميه »ايزابيل هوبيت« و»بينوا ما جيميل« الفوز بجائزتي أفضل ممثلة وممثل في نفس المهرجان.
ولضيق المجال اكتفيت بذكر هذه الأفلام الثلاثة وهي قليل من كثير وختاما فالذي أري أن أخرج به من هذا كله هو أن المهرجان مصاب بعلة افتقاد قدر لا يستهان به من حرية الاختيار، وهي علة لو اشتدت فلا أمل في شفاء.