دجل‭ ‬وشعوذة‭ ‬باسم‭ ‬الدين

فجأة، وتأثرا بالمناخ العام، وجدتني أبحث عن كتاب بقلم الأديب توفيق الحكيم ابدعه تحت اسم «عصا الحكيم فى الدنيا والآخرة».
وما ان وجدته، حتى أخذت أقرأ مرة أخري، وبشغف شديد، حوارات صاحب ذلك الكتاب مع عصاه، فى شئون دنيانا.
وكان ما لفت نظرى من بين حواراته هذه حواره المتصل بالقول السائد فى زمانه من أن أعداء مصر الثلاثة هم الفقر والجهل والمرض.
فى حين انه تبين بفضل الحوار اللافت ان الأعداء الثلاثة ليسوا كذلك، وانما هم فى حقيقة الأمر الدجل والتهريج والنفاق.
واقف قليلا، عند آفة الدجل ، لأقول أنها ليست مقصورة على ربوع مصر، بل هى وبخاصة ما كان منها متصلا بالدجل المستغل للدين، منتشرة شرقا وغربا، وبالذات فى الولايات المتحدة، حيث يكثر ذلك النوع من الدجل على نحو دف الاديب الامريكى »سينكلير لويس« الفائز بجائزة نوبل عام 1930 دفعه إلى التعبير عنه فى روايته »المرجانتري«.
فمما يعرف عن روايته هذه انها نشرت ابان النصف الثانى من عشرينات القرن العشرين وتحديدا عام 1927، أى قبل فوزه بجائزة نوبل، بقليل، والولايات المتحدة ومعها العالم على وشك السقوط فى هاوية الازمة الاقتصادية الكبرى، ووقتها أحدث نشرها ضجة كبرى استمر صداها زمنا طويلا.
والمثير للدهشة حقا انه ورغم ان صاحبها سرعان ما فاز بجائزة نوبل بعد نشرها بقليل إلا أن ترجمتها إلى لغة السينما لم تتم إلا بعد فوات أربعة عقود، وبالتحديد عام 1960 حيث اسند أمر اخراجها إلى »ريتشارد بروكس« الذى كان أحد المخرجين البارزين فى ذلك الزمان.
اما لماذا تقاعست هوليوود عن انتاج فيلم مستوحى منها زمنا طويلا فذلك انما يرجع فى أرجح الظن إلى تخوف استديوهاتها المقترن بالحذر من رد الفعل الغاضب المتوقع حدوثه، من قبل جماعات الانجيليين ودعاتها الذين سبق لهم التعبير عن ضيقهم الشديد من الرواية لما انطوت عليه من كشف فاضح لسلوكيات نفر من دعاة تلك الجماعات، وهى حسب رسم الرواية والفيلم لشخصية بطلها الدجال المحترف »المرجانترى« سلوكيات يندى لها الجبين.
فالفيلم يدور موضوعه حول ذلك الدجال، ويؤدى دوره النجم »بيرت لانكستر« وعن أدائه له فاز بجائزة أوسكار أفضل ممثل رئيسى 1961م.
أما الدور النسائى فتؤديه الممثلة الانجليزية »جان سيمونز« حيث تلعب دور امرأة انجيلية تبيع الدين فى المدن الصغيرة بالغرب الأمريكي، وقت ان كانت الازمة المالية تأخذ بخناق متوسطى الحال.
وأحداث الفيلم تبدأ بالبطل الدجال فى حانة حيث نراه سكيرا، عربيدا، مع رفاق سوء، فاجرا يغازل النساء، حتى يوقع احداهن فى حباله، فيصطحبها إلى غرفة نومه، حيث تشاركه الفراش.
وصباحا ودون أن يوقظها يغادر الغرفة حتى يلحق بالقطار المتجه الى المدن الصغيرة غربا حيث يقوم بالدعاية لمختلف السلع الجديد منها والقديم وأول ما يلفت النظر فى شخصيته، انه يمتلك حضورا أسر وسريع البديهة، منطلق اللسان، حلو الحديث باختصار يلعب بالبيضة والحجر، فى وسعه السيطرة على القلوب والعقول.
ويمثل هذه الميزات، سرعان ما جذب إلى صفة الاخت الانجيلية الداعية الى اعادة احياء الدين فى نقائه الأول والأخذ بتعليماته طريقا للتوبة والخلاص.
ومعها يتحول إلى واعظ ويحذر مستمعيه من عذاب السعيرة عما اقترفوه من خطايا.
وهى فى نفس الوقت تعد مستمعيها من نفس المنبر، بجنات عدن، فيما لو تابوا وانابوا وفى هذا الجو المشحون بالخوف والأمل نرى الحابل وقد اختلط بالنابل والراجل بالراكب.
والمستمعين يمشون على أقدامهم كما النيام ويذهبون إلى حتفهم، وقد اصابهم همم كامل، وعمى تام وتنتهى أحداث الفيلم بفاجعة يشيب من حولها الولدان!