نادي المحاربين ونهاية علاقة غرامية، كلاهما من الأفلام القليلة التي تمنح النفوس خصباً وفطنة وذكاء.
ولا غرابة في هذا، فالفيلم الأول من إخراج “داڤيد فنشر” الذي بهرنا بفيلمه “سبعة” قبل ثلاثة أعوام أو يزيد.
أما الفيلم الثاني فصاحبه “نيل چوردان” ذلك المخرج الذي سبق له وأن أدهشنا بفيلمه “اللعبة الباكية”، حيث عرض فيه لإرهاب الجيش الجمهوري الايرلندي، برؤية جديدة، وبأسلوب مبتكر، وبايقاع لاهث فيه من التشويق الشيء الكثير.

وفي استطلاع رأي دأبت مجلة استديو الفرنسية على إجرائه بين قرائها، قريباً من نهاية كل عام، وقع الاختيار على نادي المحاربين، باعتباره أحسن فيلم جرى عرضه في فرنسا، خلال العام الأخير من القرن العشرين.
وفضلاً عن ذلك فقد كان مرشحاً لأوسكار أفضل توليف للمؤثرات الصوتية.
و”نهاية علاقة غرامية” كان هو الآخر مرشحاً لأكثر من أوسكار وبالتحديد أوسكار أفضل ممثلة رئيسية “چوليان مور” وأفضل تصوير.
مقص غليظ
وكلا الفيلمين يعرض الآن في دور سينما القاهرة والاسكندرية، ولكن بعد حذف لقطات كثيرة بواسطة مقص الرقيب.
ومن بين ما يقال عن تلك اللقطات المحذوفة، أن مدتها تجاوزت التسع دقائق بالنسبة لفيلم “نيل چوردان” وهي مدة طويلة حتى حسب معايير رقابتنا.
ومع ذلك فمجرد الترخيص بعرضهما، وإن كان في صورة منقوصة، يعد والحق يقال، عملاً ايجابياً من جانب رقابتنا الراسخة رسوخ الجبال.
والجمع بين الفيلمين في مقال واحد، لا يعني أن ثمة أشياء مشتركة بينهما، خلاف التقدير لهما سواء من جانب المتفرجين أو جانب أصحاب الأمر والنهي في شأن جوائز أوسكار، وخلاف تربص رقابتنا بهما، ووقوفها بالمرصاد لبعض اللقطات.
بل وحتى رغم أن سيناريو كلا الفيلمين ليس مبتكراً، وإنما مأخوذ عن عمل أدبي. “نادي المحاربين” عن قصة للكاتب الأمريكي “شك بالانويك”، لعلها قصته الوحيدة، فهو ليس كاتباً محترفاً.
اختلاف العوالم
و”نهاية علاقة غرامية” عن قصة للأديب الانجليزي الأشهر “جراهام جرين” لعلها أقرب قصصه إلى سيرته الذاتية رغم ذلك، فالفيلمان مختلفان، وكأنهما من عالمين متنافرين، وكل في سبيل.
فالسرد في “نادي المحاربين” كل ما فيه غريب، خارج عن المألوف. فثمة بطلان في الفيلم، أو هكذا نتصور في البداية.
أحدهما، وهو الراوي، ويؤدي دوره النجم “ادوارد نورتون”، تستهل به أحداث الفيلم ساخطاً على طريقة حياته، مغالياً في التمرد عليها، رغم الظروف الطيبة التي تحيط به.
فهو يشغل مركزاً مرموقاً في إحدى الشركات الكبرى، ويقيم في شقة فاخرة، توافرت فيها كل أسباب الاستمتاع بحياة لذيذة، خلاية من المنغصات.
وفجأة، وهو على هذا الحال، يلتقي “بتايلر دردن” ويؤدي دوره النجم “براد بت”، فإذا به ينجذب إليه، ويجد نفسه عضواً في نادي المحاربين.
شخص أم شخصان
وشيئاً فشيئاً يتحول الراوي إلى شخص آخر أقرب في تصرفاته إلى الفتوات المشاغبين.
ولن أعرض شيئاً من تفصيل ذلك التحول العجيب، لأنني لو عرضت تفصيله لتنقلت بالقارئ في تيه من الرموز والألغاز.
فالرواي حتى نهاية الفيلم لا نعرف له اسماً.
والأغرب أننا، والأحداث تقترب من الختام، نأخذ في التساؤل أهو و”تالير” شخص واحد، أم هما شخصان كما أوهمنا سياق الأحداث.
ونظل نتساءل عما أراد إليه المخرج وكاتب السيناريو “جيم أولس”، بفيلمهما هذا الرائع.
وأكبر الظن أنه إنما أرادا أن يصورا حالة الانفصام الحاد التي يعانيها الانسان المعاصر، والأمريكي بالذات.
التقليد والتجديد
فإذا ما انتقلنا إلى “نهاية علاقة غرامية” فسنجد أن السرد لقصة الحب بين “سارة مايلز” الزوجة الخائنة للرباط المقدس، وتؤدي دورها “چوليان مور”، وبين الأديب “موريس بندريكس” الذي يعيش في جو من الشك والغيرة مظلم، ويؤدي دوره “رالف فينيس”، سنجده من نوع السرد الأقرب إلى التقليد منه إلى التجديد.
وهذا لا يقلل من قيمة الفيلم الفنية، وان كان يجعله أقل منزلة، فميا لو جرت المقارنة بينه وبين “نادي المحاربين”.
فالفيلم الأخير حدث يؤرخ به في تاريخ السينما.
وربما، هو و”المتمرد” – “الماتركس” الفيلمان الوحيدان من حصاد آخر عام في الألفية الثانية، اللذان سيتركان في فن السينما آثاراً بعيدة، ليس إلى محوها من سبيل!!