الآن، وقد رحل الصيف بحره البغيض، وتؤذن الأفلام المصرية، هي الأخرى، بالرحيل، بحيث تخلو منها دور السينما، بطول وعرض البلاد، حتى ظهور هلال العيد – فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما اللافت للنظر في أفلام ذلك الصيف اللعين؟
والحق، أن أول ما يلفت النظر ليس صعود نجم “أحمد عز” ولا صمود نجم النجوم “عادل امام” ولا سقوط “محمد هنيدي”، ولا هبوط “محمد سعد” إلى المزيد من الاسفاف والابتذال.
نهوض وارتقاء
ما يلفت النظر والحق يقال، هو نهوض الكاتب الساخر “يوسف معاطي” على نحو غير مسبوق، لم يبلغه أحد من قبل، في السوق.
فخلال موسم الصيف، كان ثمة فيلمان، كلاهما مأخوذ عن سيناريو من تأليفه، هما “معلش احنا بنتبهدل” و “السفارة في العمارة”.
وأولهما بطولة “أحمد آدم” أما الثاني فبطولة “عادل امام”.
وهذا النهوض لم يأت من فراغ فقبل ذلك بستة أعوام تحول أحد سيناريوهاته “الواد محروس بتاع الوزير” إلى فيلم بطولة نجم النجوم “عادل امام”.
ولم ينحصر التعاون بينه وبين نجم النجوم في فيلم يتيم، بل أثمر ثلاثة أفلام أخرى، آخرها “السفارة في العمارة” حيث تلعب السياسة دوراً كبيراً.
وكذلك الحال بالنسبة لفيلم “احنا بنتبهدل” حيث يتمحور الموضوع حول حرب الخليج الثالثة التي انتهت باحتلال العراق وإلقاء القبض على رئيسه السابق “صدام حسين”.
وسأقصر الحديث هنا عنه.. أي عن “احنا بنتبهدل”. بداية الفيلم من إخراج “شريف مندور”.
داء العالمية
وأحداثه تنطلق من “مقهى القرموطي العالمي” وهو مقهى سياحي بنزلة السمان، قريباً من الأهرام الثلاثة وأبي الهول.
وكما يدل اسمه، فصاحبه القرموطي المعلم الشهير. وهو حسب رسم شخصيته، رجل فشّار، كثير الكلام، “أبو لمعة” باختصار. وبحكم تركيبته، رجل بتاع كله، يلعب بالبيضة والحجر.
مغامرات وأكاذيب
ومن آيات ذلك، أنه ينسب أسرته ورواد مقهاه وأهل حيه “نزلة السمان” إلى سلالة الفراعين، ينظم المؤتمر الأول لحزب العاطلين في مصر أم الدنيا.، يتهدد، من خلال قناة الجزيرة، الرئيس بوش بالويل والثبور وعظائم الامور، يصدر المانجو إلى العراق الشقيق لا لغرض سوى النصب والاحتيال، يشد الرحال إلى أرض الرافدين، بحثاً عن ابنه وفلوس صفقة المانجو، فتسوقه المقادير إلى “صدام” فسجن أبو غريب.
ولن أحكي بقية مغامراته وأكاذيبه، فذلك شيء يطول، وإنما اكتفي بأن أقول بأن كل هذا مرسوم بقلم ساخر. والقصد من الفكاهة الناجمة عن سخرية ذلك القلم هو التدليل بشيء من المبالغة أن الكثير في مصر المحروسة يفكر، كما يفكر القرموطي، يعيش مثله ضائعاً في الأوهام.
يبقى أن أقول أولاً أن في الفيلم ابتكارات فنية ظريفة، عديدة، لا يتسع لشرحها المجال.
ثانياً أن مخرجه شريف مندور يتقدم بلا عجلة، وعلامة ذلك أنه يسعى جاهداً ألا يكرر نفسه.
ثالثاً أن بطله “أحمد آدم” أدى دور “القرموطي” ببراعة فائقة، والأهم بخفة ظل أضحكنا من الأعماق!!