ملاعيب النفط والمخابرات الامريكية

“سيريانا” فيلم من غرائب الأفلام فهو قد تفرد باسم لا يفيد أي معنى كما تفرد بأذان الفجر نسمعه قبل ظهور العناوين. وعلي غير المعتاد، وفي أغلب الأفلام، فمخرجه “ستيفن كاجان” وهو في نفس الوقت كاتب السيناريو لم يحدد لأحداث “سيريانا” مكاناً رئيسياً، بل قام بتوزيعها على أكثر من مكان وثلاث قارات.

فضلاً عن أنه لم يقم بإدارة الصراع حول شخصية رئيسية، تتمحور حولها الأحداث. وإنما أداره حول ثلاث عشرة شخصية أو يزيد.

الكثرة في كل شيء 

ومن هنا، كثرة النجوم الذين أسندت إليهم أدواراً قصيرة. ومن بينهم أذكر على سبيل التمثيل “چورچ كلوني” ، “مات دمون” ، “ويلم هيرت” ، “كريستوفر بلمر” و “عمر واكد”.

وامعانا في التغريب اختار “كاجان” لفيلمه قصة مستمدة من كتاب “لاترى شراً..” القصة الحقيقية لجندي أرضي في حرب المخابرات المركزية الامريكية ضد الارهاب” لصاحبه “روبرت بايير” الذي كان يعمل عميلاً لتلك المخابرات.

قصة استخبارية

كما اختار لسيناريو تلك القصة أن يكون ذا خيوط متعددة متشابكة على نحو غير مألوف فيما اعتادت استوديوهات هوليوود الكبرى انتاجه من أفلام.

ومع ذلك، فثمة خيط رئيسي رغم هذا التعدد والتشابك. وبصعوبة تأخذ ملامح هذا الخيط في الاتضاح شيئاً فشيئاً. وببروزها يأخذ الغموض في الانحسار وبانحساره نهائياً ينكشف لنا أن من بين أهم ما يريد أن يقوله صاحب الفيلم هو أن الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية خاضعة لجماعة ضغط “لوبي” نفطيه، يهيمن أعضاؤها على انتاج وتوزيع النفط في مشارق الأرض ومغاربها.

تداخل المصالح

وخدمة لمصالح تلك الجماعة ذات النفوذ الكبير، لا تتورع الدوائر عن استعمال ذراع عملياتها القذرة، متمثلاً في وكالة المخابرات المركزية في ارتكاب جرائم بشعة، يشيب من هولها الولدان.

وأبشع ما ارتكبته تلك المخابرات في الفيلم جريمة اغتيال أمير عربي مستنير، قبل أيام من توليه رئاسة امارة نفطية ورثها عن أبيه.

فتلك الجريمة تمت ، حسبما صورها الفيلم بواسطة جهاز تحكم عن بعد، مركزه مكان ما على أرض الولايات المتحدة، وجه صاروخاً إلى سيارة الأمير المحصنة ضد طلقات الرصاص، فدمرها في ثوان، وهي وسط الصحراء.

الاغتيال لماذا؟ 

أما لماذا دبرت جريمة اغتيال أمير لا يريد أن يحكم مسلطاً سيف الاستبداد، في وقت يدعو فيه الرئيس الامريكي علناً إلى تشجيع ظهور أمثاله في دنيا العرب، كبديل لحكام حادوا عن طريق حكم الناس بالعدل.

فذلك لأن الأمير المستحل اراقة دمه، كان يعتزم اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، لعل أبرزها وأكثرها تأثيراً، انصراف نيته إلى عقد صفقة نفطية مع الصين.

وكأن صاحب الفيلم بذلك أنما يريد أن يقول مردداً مقولة ملالي ايران التي تصف امريكا بالشيطان الأكبر.

الكذبة الكبرى

وكذلك يريد أن يقول، بغير تردد، أن حديث دوائرها الحاكمة عن ضرورة نشر مبادئ الديمقراطية، في ربوع العالم العربي لا يعدو أن يكون تضليلاً.

ومما أثار دهشتي، ولعله أغرب ما دهشت له، والفيلم يقترب من الختام، أن صاحبه في محاولته تفسير ما يمر بعالمنا العربي من أحداث جسام، قد جنح دون استحياء، إلى تبني نظرية الفساد، ألا وهي نظرية المؤامرة.

سيئة السمعة 

يبقى أن أقول أن “چورچ كلوني” قد فاز بجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عن أدائه في الفيلم لدور عميل مخابرات امريكية سابق، فقد ثقته في كل شيء ويهيم على وجهه ضائعا!!

ميونيخ والحرمان من الأوسكار

كان فيلم “ميونيخ” من بين الأفلام الخمسة المرشحة لجائزتي أوسكار أفضل فيلم ومخرج، وهما أعلى الجوائز شأناً.

وعلاوة على ذلك كان مرشحاً لثلاث جوائز أخرى، وهي أوسكار أفضل سيناريو مستوحى من عمل فني آخر، وأفضل موسيقى تصويرية وتوليف.

ورغم أن ميونيخ من ابداع “ستيفن سبيلبرج” السابق له الفوز بأوسكار مرتين. إحداهما هو وفيلمه “قائمة شندلر” (1993) والأخرى عن اخراجه فيلم “انقاذ النفر رايان” (1998) رغم ذلك، خرج من مضمار المنافسة على الجوائز الخمس خاسراً.

كأس العذاب

وحتى فيلمه “حرب العوالم” – “جمع عالم بفتح اللام وليس جمع عالمة”- الذي كان مرشحاً في نفس المضمار لجائزتي أوسكار أفضل مؤثرات مرئية وتوليف صوت، هو الآخر قد خرج خاسراً صفر اليدين!!

ولعلها المرة الأولى في حياة عميد مخرجي هوليوود التي يرى فيها نفسه ذائقة مرارة الحرمان من الفوز ولو بجائزة يتيمة، وذلك رغم وجود فيلمين له في مضمار التنافس على جوائز أوسكار.

سر الحرمان

ورغم أن “ميونيخ” يعتبر، والحق يقال أحد أهم الأعمال التي ابدعها خيال “سبيلبرج” على امتداد اثنين وأربعين عاماً من عمر الزمن.

وعلى كُلٍ، فنظرة طائرة على الفيلم، وكيفية تناول “سبيلبرج” لموضوعه الحساس، قد تفيد في التوصل إلى معرفة سبب ذلك الحرمان.

والفيلم يعود بنا إلى دورة الألعاب الأوليمبية بميونخ (1972).

وأحداثه تبدأ بعملية اختطاف أحد عشر لاعباً اسرائيلياً من القرية الأوليمبية بواسطة نفر من الفدائيين الفلسطينيين، نجح في التسلل إلى القرية في جنح الظلام.

وهي عملية، كما هو معروف، انتهت بمصرع جميع الرياضيين المختطفين.

وحسبما يقول الفيلم، نقلاً عن التاريخ، فما أن طيرت وكالات الأنباء خبر مصرعهم، حتى عقدت “جولدا مائير” رئيس وزراء اسرائيل وقتذاك اجتماعاً عاجلاً بمنزلها، حيث وافقت على الخطة التي أعدتها المخابرات الاسرائيلية “الموساد” لاغتيال الرؤوس المدبرة لمذبحة الرياضيين الاسرائيليين.

كتيبة الإعدام

ووفقاً لهذه الخطة تم تكليف أحد رجال تلك المخابرات “افنر”- ويؤدي دوره الممثل الاسترالي “اريك بانا” بتزعم فريق، مهمته تتبع أحد عشر فرداً شاركوا بشكل أو بآخر في عملية ميونيخ، والتخلص منهم بالاغتيال.

وطبعاً يؤدي “افنر” المهمة المكلف بها على خير وجه، في أكثر من مدينة.

بداية في روما، ثم في باريس، وبعدها أثينا.

أزمه ضمير

ومع استمرار عمليات الاغتيال للفلسطينيين والاغتيال المضاد لأفراد الفريق الاسرائيلي، يهتز يقين “افنر” يشعر بأنه مستهدف، وفي النهاية يفقد ثقته بجدوى الانتقام، يراه عملاً عبثياً لا يؤدي إلا إلى مزيد من إراقة الدماء.

فيستقيل، ويغادر اسرائيل إلى نيويورك حيث يعيش مع زوجته متوهماً أنه نجا هو وأسرته من دائرة الانتقام.

ويحاول “افراهيم” رئيسه في المخابرات – ويؤدي دوره “جيوفزي رش” الفائز بأوسكار أفضل ممثل رئيسي عن أدائه في فيلم “البريق” (1996) – يحاول أن يثنيه عن عزمه، والعودة به إلى أرض اسرائيل، فيفشل.

وينتهي الفيلم به، واقفاً، بعد رفض العودة، بجانب كوبري بروكلين، وفي الخلفية البرجان التوأم اللذان تعرضا للنسف في الحادي عشر من سبتمبر قبل خمسة أعوام.

وكأن صاحب الفيلم يريد أن يقول بأظهار البرجين أن استمرار العنف المتبادل بين الفلسطينيين والاسرائليين مؤداه امتداد العنف إلى جميع ارجاء المعمورة بما في ذلك بلاد العم سام!!

وفيما يبدو، لم تلق هذه الخاتمة قبولاً لدى الغلاة من أعضاء أكاديمية فنون وعلوم السينما، فلم يصوتوا لصالح فيلمي “سبيلبرج”.

ومن هنا عقابه بالحرمان!!

الحياة أم الموت.. منتهى اللذة

كان منتهى اللذة، ذلك الفيلم الذي عُدِل اسمه إلى”الحياة ..منتهى اللذة” بموجب أمر إداري من رقابتنا الرشيدة، كان آخر عمل سينمائي مصري يعرض في دور سينما المحروسة أثناء العام الذي ودعناه، قبل بضعة أيام، وياله من ختام لموسم سينمائي مخيب للآمال.

عمل أول
وعلى أية حال، فمنتهى اللذة أول فيلم روائي طويل لمخرجته “منال الصيفي”.
وأول فيلم مصري لبطله “يوري مرقدي” وهو مطرب من بر الشام.
و لعله أول فيلم لمنتجته ابنة عبد العزيز محمود المطرب زائع الصيت.
ميلاد مخرجة
والفيلم والحق يقال، يؤذن بميلاد مخرجة على دراية بمفر دات لغة السينما، على نحو يؤهلها لصنع أفلام، فيها من مكونات النجاح الشيء الكثير، وذلك فيما لو أحسنت اختيار سيناريوهات لا تتعقد فيها الحواديت، وتتشابك على نهج تعقدها، وتشابكها في أول أفلامها.

زحمة الحواديت
فمما يعاب علي سيناريو “شهيرة سلام”، أكثر الحواديت شديدة التعقيد حدوتة الأستاذ الجامعي الذي يكتشف أن زوجته “منى” (منة شلبي) تقضي ليلها أمام الكمبيوتر تتبادل الحديث المليء بالهيام مع حبيب قديم.
الموت حباً
وحدوتة صاحب المتجر الكبير- يؤدي دوره المطرب يوري مرقدي- الذي يعاني من أن زوجته “حنان” (حنان ترك) تهمل شأنه، تتذكر أباها المتوفي ليل نهار، تحاول الانتحار حتى تلتحق به في جنات النعيم.
إدمان واغتصاب
وحدوتة الأب المدمن “أحمد راتب” مع زوجته الشغالة “سعاد نصر” وابنته “غادة” (زينة). وهي حدوتة تتشابك أحداثها مع أحداث حدوتة الأستاذ الجامعي وصاحب المتجر الكبير فالشغالة تعمل في قصر الأخير.
وليس لها من هدف في الحياة سوى أداء العمرة. والابنة يغتصبها صاحب القصر الذي يعيش مأزوماً، معذب الضمير.
السيناريو بحواديته الثلاث عبارة عن تلفيق وترقيع وترجمته إلى صورة مقنعة أمر شبه مستحيل.

تمثيل بلا روح
ولقد كان دور “منة شلبي” و”حنان ترك” الأولى في دور الزوجة الخائنة، التائبة، والثانية في دور المرأة الراغبة في الموت حباً، دورين غير عاديين.
إلا أنهما أدّتاه دون الدخول في الأعماق وبالتالي دون تعبير يؤدي بنا نحن المتفرجين إلى الاقتناع بأنهما تعانيان فعلاً.
ولعل مما ساهم في عدم الاقتناع الوجه الجديد “يوري مرقدي” الذي كان يتحرك بطريقة فاترة، ويتحدث بصوت أكثر فتوراً.
عنوان مضلل
يبقى لي أن أقول أن الفيلم بعنوانه المعدل مضلل.
فالحياة ليست منتهى اللذة في رأي صانعيه، وإنما الموت الذي تسعي إليه “حنان” من البداية حتى النهاية المفتعلة أشدّ افتعال.