كلمة لابد منها عن اختفاء نجم أضاء حياتنا

لم يكن إعلان خبر غياب الساحر «ستيف جوبز» عن دنيانا أمراً مفاجئاً لي، فمنذ سنوات، وهو يعاني من سرطان البنكرياس وسبق له في يناير سنة 2009 أن ترك عمله كرئيس لشركة آبل لمدة ستة أشهر نظراً لظروفه الصحية، وبعد عودته من رحلة طويلة مع آلام السرطان، وعملية زرع كبد، أعلن على الملأ قبل حوالي عشرة أشهر وتحديداً يوم 17 يناير 2011 أن يوم الوداع النهائى للشركة قد أزف.
Steve-Jobs

وفي عدده الصادر في الخامس من سبتمبر 1911، أفردت مجلة «نيوزويك» واسعة الانتشار ملفاً عنه بوصفه مخترعاً عبقرياً، كان له فضل كبير في تغيير عالمنا، كما أبرزت الموضوع، مع صورة سالبة له على غلافها مما أعطى الاحساس بأن الملف والغلاف بمثابة مرثية مسبقة لعالم معطاء على وشك الرحيل.

لكل ذلك لم أفاجأ بالخبر المفجع، وإن كان له وقع الصاعقة، ما كان مفاجئا لي حقا، ومثيراً لدهشتي في نفس الوقت، هو طريقة تعامل أجهزة الاعلام عندنا مع خبر غياب عالم فذ، كان له فضل تغيير مسار حياتنا على نحو لم يكن ليرد على البال مهما شطح الخيال.

فتعاملها مع الخبر الفاجع كان إما بالاهمال التام له، أو بالاستهتار به، وكأنه خبر عادي لم تهتز له الكرة الأرضية شرقا، وغرباً، والمؤسف أن ذلك قد كشف النقاب عن ضياع الوعي عندنا، بأهمية العلم في العصر الحديث، وكأننا بحالة الضياع هذه نتلقى ثمار البحث العلمي كالبلهاء، دون محاولة معرفة من هم أصحاب الفضل في ذلك، مكتفين بالاستفادة والاستمتاع دون عناء.

أما كيف غير «جوبز» عالمنا، على نحو أصبح معه قرية صغيرة، يسهل الاتصال فيها بأي شخص صوتاً وصورة في ثوانٍ، فذلك بابتكاره أول كمبيوتر شخصي «آي ماك» بفضله أصبح في الامكان استعمال الكمبيوتر لأغراض شخصية في أي مكان، وبعده ابتكر الكثير من الأجهزة مثل «آي بود» للاستماع الى الموسيقى، وفي نفس الوقت تحميلها عليه.

وتلى ذلك جهاز «آي فون» الذي يعتبر بحق ثورة في عالم الهواتف الذكية، فجهاز «آي باد» الذي له الفضل في اعادة البريق لأجهزة الكمبيوتر اللوحية بعد أن كان الظن قد جنح بالكثير الى الاعتقاد بأن ذلك النوع من الأجهزة ليس ثمة أمل في نجاحه تجارياً.

وهكذا وبفضل عبقريته التي لمعت مثل الشهاب، كان وصف «سبيلبرج» المخرج ذائع الصيت له، بأنه أعظم مخترع منذ «توماس أديسون» وذلك لأن بفضله أصبح العالم في متناول أناملنا.

والغريب أنه لم يكتف بكل هذه الانجازات في عالم الاتصالات، صوتا وصورة، بل دفعته رغبته الجامحة في ابتكار المزيد الى البحث عن وسيلة يمكن بموجبها إبداع أفلام التحريك، برسوم الجرافيك، وفعلاً اشترى فرع رسوم الجرافيك التابع لشركة «لوكاس فيلم»، وسرعان ما تحول به الى استديو لانتاج افلام التحريك، قام بانتاج مجموعة من الأفلام القصيرة التي جرى تحريك رسومها بواسطة الكمبيوتر، وليس بالطريقة التقليدية في أفلام الرسوم المتحركة.

ونظراً إلى نجاح ذلك الاستديو الذي أطلق عيه اسم «بيكسار» تحقق نوع ما من الاندماج بينه وبين «استديوهات ديزني»، كان بكورة انتاجه «حكاية لعبة» 1995، أول فيلم تحريك طويل، جري ابداعه برسوم الجرافيك وتتويجه بجائزة أوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة.

وهكذا، وبفضل نجاحه فنياً وتجارياً ولدت امبراطورية تحريك من نوع جديد، لم يكن من الممكن لها أن تولد في عالم الاطياف، دون عبقرية «جوبز» الذي غادر دنيانا، مخلفاً وراءه، تركة من الامجاد.

“حكاية “المسافر

إلي عهد قريب كانت أنشطة وزارة الثقافة تحكمها مجاملات وتجاوزات أفرغت فكرة الثقافة من معناها المتعارف عليه، شرقاً وغرباً وشقت وحدة المثقفين، فميزت ما بين معسكرين أحدهما ضم أهل الولاء، الذين أجزل لهم العطاء، والآخر ضم الفئة التي أبت الاستسلام إلي شتي وسائل الإغراء، وقتها كنا نعيش في حقيقة الأمر، أياماً حالكة السواد. فرائحة العفن وليد الفساد كانت منتشرة ليس في أروقة وزارة الثقافة فحسب، بل في كل مكان، بطول وعرض البلاد، وكان ذلك يؤذن بأن النظام علي وشك الانهيار في تلك الأيام المشحونة بالترقب والانتظار، فوجئنا بتهليل وتكبير غير مسبوقين لسيناريو من تأليف شاب مجهول، عاش زمناً طويلاً في ربوع إيطاليا حيث كان يدرس فن السينما.. وقد تزعم ذلك التهليل والتكبير نفر من النقاد المخضرمين.
Film-El-Mosafir

ما أن انتهوا من قراءة السيناريو بتكليف من وزير الثقافة وقتها، حتي تحمسوا له حماساً شديداً، علي نحو جنح بهم إلي المطالبة بترجمته إلي لغة السينما في فيلم، تعود بفضله وزارة الثقافة إلي سابق عهدها الذهبي، حيث كانت تقوم بإنتاج الأفلام الروائية الطويلة لا لهدف سوي الارتقاء بمستوي السينما المصرية، وذلك بعد امتناع انحدر إلي حد العناد، عن القيام بذلك النوع من الإنتاج، استمر زهاء ثلث قرن من عمر الزمان.

ولم تكتف كوكبة النقاد المخضرمين بالحماس الشديد للسيناريو بل انتهي بها حماسها الفياض إلي القول بضرورة إسناد إخراج الفيلم المأخوذ عنه إلي صحابه، أي صاحب السيناريو، بزعم أنه يدخل في عداد فئة المخرجين المؤلفين.

وما أثار دهشتي اكتشاف أن صاحب السيناريو ليس في رصيده أي فيلم روائي طويل، وأن الفيلم المزمع إسناد إخراجه إليه من نوع الإنتاج الضخم بحكم اعتماد ميزانية له قدرها عشرون مليون جنيه، أو يزيد.

كما زاد من دهشتي العلم بأن «أحمد ماهر» هو ذلك السينمائي المقول بأنه مؤلف لا يشق له غبار.. أما لماذا زادت الدهشة، فذلك لأنه سبق لي قراءة السيناريو ومشاهدة ما أخرجه من أفلام قصيرة، بناء علي تكليف من اللجنة المنوط بها النظر في أمر المرشحين لجوائز الدولة التي توزع سنوياً.

وخلصت مما قرأته وشاهدته إلي أنه لا سيناريو ولا رصيده من تلك الأفلام، يؤهله للفوز بجائزة التفوق وهي أقل مرتبة من جائزة الدولة التقديرية.

وكان من بين ما حدا بي إلي التوصية بعدم الموافقة علي طلبه الترشيح لجائزة التفوق أن السيناريو مفتعل أشد افتعال، غامض علي نحو حال بينه وبين أن يقدم الفكرة السائدة التي يدور حولها الموضوع، بجلاء ومنطق واضح يترتب لاحقه علي سابقه، فضلاً عن عجزه عن أن يبعث في قارئه الإحساس بمأساة بطله في صورها المختلفة.. وفعلاً أخذت اللجنة بتلك التوصية وامتنعت عن تزكية ترشيحه لجائزة التفوق، كل ذلك ضربت به عرض الحائط كوكبة النقاد المخضرمين.

وإذا بـ «أحمد ماهر» مسنداً إليه إخراج الفيلم الذي اشتهر تحت اسم «المسافر» بميزانية لا تقل عن عشرين مليون جنيه.. وإذا بمدير الرقابة وأحد أعضاء تلك الكوكبة، معيناً في سابقة ليس لها مثيل، منتجاً منفذاً لذلك الفيلم، ولأمر ما لعله تعثر الإخراج، يعين إيطالي «ماركو أونوراتو» مدير تصوير الفيلم.

وفي زفة إعلامية كبري تليق بنظام علي وشك الانهيار ذهبوا بالمسافر وفي صحبته جمهرة من النقاد المؤلفة قلوبهم إلي مهرجان فينسيا «2009» حيث خرج من معترك الصراع علي الجوائز خاسراً، وخرج في نفس الوقت فائزاً ولأول مرة، بالأسد الذهبي، أرفع جوائز المهرجان فيلم إسرائيلي اسمه «لبنان»!

المقدر والمكتوب على الطريقة الأمريكية

على امتداد عقد كامل من عمر الزمان، انتج مصنع الأحلام في هوليوود خمسة أفلام من سلسلة أعمال تحت اسم «المصير النهائي» أو «المصير القاتل» وفقاً للترجمة العربية.

وكانت الفكرة السائدة في الفيلم الذي به استهلت السلسلة، وظلت سائدة في الأفلام الأربعة اللاحقة له كانت باختصار عن الموت، بوصفه قدراً ليس لهارب منه نجاة، آت لا ريب فيه أيام كانت محاولات خداعة، لبعض الوقت وفرص إلحاق الهزيمة به، ولو إلى حين، فبدءا من أولى لقطات فيلم الاستهلال هذا نرى بطله «اليكس» مستشعراً كارثة على وشك أن تحيق بالطائرة التي استقلها مع نفر من زملائه في الدراسة، ولاتزال جاثمة على ارض المطار.

وما أن تصعد بهم الطائرة الى عنان السماء حتي تنفجر، متحولة بكل ما فيها، الى حطام ورماد وسرعان ما نكتشف، مع «اليكس» أن ما شعر به، وشوهد على الشاشة ليس إلا محض خيال.

وأن الأمر لا يعدو أن يكون كابوسا، أو ربما رؤيا لكارثة قادمة في مستقبل قريب وعلى كل، فتحت تأثير الكابوس أو الرؤيا يهب «اليكس» فزعاً، راجياً من زملائه مغادرة الطائرة فوراً، تفاديا لموت وفعلاً يستجيب زملاؤه للرجاء، ويغادرون معه الطائرة، التي ما أن ترتفع الى عنان السماء حتي تنفجر، وتتساقط بمن عليها شظايا، وبقايا الركاب الضحايا.

ويجنح الوهم بالناجين، الى أنهم قد فروا وانتصروا على الموت، فلا خوف عليهم من مجيئه من أجل قريب، غير أن وهمهم هذا سرعان ما يتبدد بمجيئه الى كل واحد منهم، منتقما من عبثهم بالأقدار.

والفيلم الأخير في السلسلة «المصير القاتل» لا يحيد قيد أنملة عن نهج الأفلام الأربعة السابقة عليه.

نفس الفكرة السائدة، نفس البطل وإن كان باسم آخر «سام»، نفس استشعار الكارثة القادمة، وإن كان سيناريو الفيلم قد استبدل بالطائرة حافلة ركاب بها مجموعة عاملين باحدى الشركات، في اجازة نهاية الاسبوع وفجأة عند عبور الحافلة لكوبري معلق يبدأ الكوبري في الانهيار. ويحاول «سام» انقاذ رفاقه، ولكنه يفقدهم واحداً تلو الآخر، وفجأة يستيقظ ليكتشف أن ما رآه لا يعدو أن يكون رؤيا كارثية، فيوقف الحافلة محاولاً اقناع الجميع بمغادرتها. غير أنه لا يستجيب لندائه سوى ثمانية رفاق، وما هي إلا لحظات حتي ينهار الكوبري ويموت جميع من لم يستمعوا للنداء.

وكما حدث في الفيلم الذي استهلت به السلسلة، وما بعده من أفلام يطارد الموت الناجين الثمانية ويحاولون، دون جدوى، النجاة ورغم اننا نعرف مقدما أنهم موتى، لا محالة، إلا أن نظل متعلقين بأمل نجاتهم من الموت، بفضل براعة إخراج «ستيفن كويل» الذي عمل مساعد مخرج «لجيمس كاميرو» صاحب فيلمي «تيتانيك» و«آفاتار».