مانديلا .. عظة للحكام

وأنا أتابع صراع الزعيم الافريقي “ناليسون مانديلا” مع الموت، وجدتني استرجع علي شاشة ذاكرتي فيلما مأخوذا عن سيرته، وقد أصبح اول رئيس اسود لجمهورية جنوب افريقيا
اما لماذا عملت علي استرجاع ذلك الفيلم، واسمه “المنتصر” (2009) لصاحبه “كلينت ايستوود”المخرج والمنتج والممثل، ذائع الصيت.
invictus فذلك لأنه يحكي واقعة من حياة مناضل “مانديلا” ليس كغيره من معظم قادة قارتنا السمراء، نظراالي تميزه عنهم، بحب الوطن والانسانية معا وبداية، فأري لزاما علي أن أذكر، أن حبه هذا كان سببا في بقائه حوالي سبعة وعشرين عاما، محروما من حريته، في سجون نظام نظام عنصري بغيض، قوامه انفراد اقلية بيضاء بحكم البلاد، لصالحها فقط بفضل اقصاء الاغلبية السوداء
وكان سببا آخر، في أنه عندما استرد حريته قبل نحو أربعة وعشرين عاما، لم يخرج حاقدا علي الأقلية البيضاء، التي سلبته حريته، لسنوات طوال، شاهرا شعار الانتقام
بالعكس خرج داعيا الي التسامح، والغفران فكان أن ساس الأمور، بعقل وحكمة، لا سيما بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية، بدءا من العاشر من مايو، لعام 1994
وبفضل ذلك، ورغم صعوبات، تنوء بحملها الجبال، استطاع أن يحول بين البلاد والسقوط في هاوية حرب أهلية، توقعها ولا أقول تمناها غلاة البيض والسود علي حد سواءوهكذا. وكأن ثمة عصا سحرية هي ولا ريب، عصا “مانديلا”، تحول وطنه متعدد الاجناس، والاعراق، بشكل مثير للدهشة والاعجاب من نظام استبدادي الي نظام ديموقراطي، حقيقي شعارة أمة واحدة من كل ألوان الطيف (قوس قزح)، لافضل فيها لابيض علي اسود، أو العكس الا بالتفاني في خدمة الصالح العام
والواقعة التي يحكيها الفيلم، نقلا عن كتاب “نلسون مانديلا” واللعبة التي صنعت أمة لصاحبه المؤلف “جون كارلين” تقول أنه ما أن تولي “مانديلا” الرئاسة حتي واحهته مشكلة الاقلية البيضاء العفية بمواهبها وثروتها مع قدرتها علي رفع سلاح التمرد ضد النظام الوليد
وكيف يتحول بها من اقلية ناقمة الي اقلية متعاونة، مشاركة ديموقراطيا، في تسيير شئون البلاد فبحسب حكي الفيلم، حدث في بداية تولي “مانديلا” الرئاسة أن اتخذ نفر من اصحاب النفوذ في حزبه الحاكم اثناء أخذ الاجتماعات وفي غيابه، قرار بتجريد الفريق القومي لكرة الرجبي، وكل لاعبيه من البيض، من جميع امتيازاته، بما في ذلك سترته ذات اللونين الاخضر والذهبي، اذ لا لا من ذلك النفر، للبيض الذين كانو يرون في الفريق رمزا لجبروتهم وعلو شأنهم، بفضل تميز عنصرهم الابيض
إلا أنه ما أن قرأ “مانديلا” القرار حتي تفتق ذهنه عن فكرة جريئة، عمادها حماية الفريق من الاضطهاد، وذلك بتبني سياسة الصعود به الي مرتبة تؤهله للفوز بكأس العالم، في المباراة التي كان محددا لها أن تقام علي أرض جنوب أفريقيا ولقد ركب “مانديلا” تلك المخاطرة التي كادت تؤدي بشعبيته، وسط جماهير حزبه
ركبها لانه رأي، ببصيرته، أنه فيما لو فاز الفريق علي أرضه، وسط جمهوره، بيضا وسودا فمؤدي ذلك تدعيم اواصر الوحدة المنشودة بين شطري أمة في دور التكوين وفي ختام سعيد، تحقق له ما اراد، انتصر الفريق وسط هتافات البيض والسد، وقد عمت اواصر الوحدة.

تحت الحصار

لم يكن حلما مستحيلا، بل بالعكس، كان حلما ممكنا، من ذلك النوع من الاحلام، القابلة للتحقيق، بغير مشقة، ولا كبير عناء.
كان حلمنا ممكنا، لانه، من فرط تواضعه، لم يكن ثمة هدف له سوي ان تتاح لنا، فى ربوع مصر، فرص مشاهدة افلام من روائع السينما العالمية، غير تلك التى من انتاج استديوهات هوليوود الكبرى، وبفضل شبكة توزيع افلامها عالميا، استطاعت احتكار سوق السينما، فى مختلف بلاد العالم، شرقا وغربا، لافلامها.. دون غيرها من افلام الدول الاخرى، بحيث أصبح امرا متعذرا مشاهدة افلام سينما أخرى، غير السينما الامريكية.
ومع ذلك، فما ان بدأنا فى تحقيق حلمنا المتواضع هذا عندما انتدبت، مديرا للرقابة على المصنفات الفنية، وذلك قبل ما يقارب نصف قرن من عمر الزمان، حتى وجدتنى أواجه عقبات، التغلب عليها ليس بالامر اليسير ومن بين تلك العقبات، ادمان جمهور الفيلم الاجنبى مشاهدة الافلام الامريكية، على نحو أصبح معه، تذوقه لافلام أية سينما أخري، من الصعوبة بمكان ويحضرنى، هنا، ما حدث لفيلم “هيروشيما.. حبي” ولصاحبه المخرج “آلان رينيه”، اثناء عرضه بسينما كايرو (1962) كان جمهور الفيلم، غير جمهور الفيلم الاجنبى، العادى أقبل على مشاهدته، لانه قرأ عنه، وسمع الكثير وكان، بحكم ذلك، تواقا لان يرى قصة حب، وقد ترجمت إلى لغة السينما. لتقول من بين ما تقول ان لقاء تم بين نجمة سينما فرنسية، متزوجة ولها ولدان، ويابانى متزوج، ويعيش حياة زوجية سعيدة وكان لقاء عابرا على أرض “هيروشيما”، حيث كلاهما بث شكواه للآخر.
هى حكت له ما حدث لها فى مدينتها الفرنسية الصغيرة “نيڤير”، والحرب على وشك الانتهاء، كيف قتل حبيبها الجندى الالمانى، وكيف حلقوا لها شعرها، عقابا لها على التعاون مع الاعداء وهو حكى لها ما حدث لمدينته “هيروشيما”، لحظة القاء القنبلة الذرية عليها، كيف انتهى بها الامر ارضا خرابا، وكيف أصبحت جلود الناس فيها احجارا، وسقطت الشعور من على رؤوس النساء.
وبينما هما فى الفراش، يتناجيان على هذا النحو، راعى مغادرة الناس أفواجا لدار السينما، اثناء عرض الفيلم وتساءلت اذا كان ذلك حال فيلم هز العالم، فما بال حال افلام أخري، غير امريكية، لم تنل، ولو قدرا ضئيلا من الشهرة التى نالها “هيروشيما.. حبي”.
hiroshima mon amour واياما كان الامر، فبفضل فشل تجربة “هيروشيما” هذه اتضحت لى معالم الطريق الصحيح، للوصول إلى تحقيق حلم عرض افلام سينما أخري، مختلفة، عن السينما المهيمنة حاليا على عروض دور السينما، فى ربوع مصر.
فالافلام التى ليست كغيرها من الافلام الأجنبية المحتكرة لعروض دور السينما عندنا، ليس مكانها دور السينما الكبيرة، وانما دور صغيرة، أقرب فى عدد كراسيها لمسرح الجيب، وذلك يرجع إلى ان جمهور الافلام المختلفة، ليس كجمهور الافلام العادية، السائدة انه جمهور محدود، حقا قابلا للازدياد، ولكن على المدى الطويل.
وكان الحل فى الاهتداء بما فعله المهتمون بالشأن السينمائي، فى فرنسا، حيث نشروا فى مدن فرنسا الكبرى، وبخاصة باريس، دور سينما صغيرة، اطلقوا عليها اسم “سينما الفن والتجربة” روعى فيها ان تعرض على شاشاتها، الافلام الممتنع عرضها فى دور السينما الكبيرة، أما لان جمهورها محدود، واما لاسباب أخرى وفعلا أقترح افتتاح دارى سينما صغيرتين من ذلك النوع احداهما فى القاهرة، والاخرى فى الاسكندرية.
وهكذا كان الحلم الممكن، على وشك التحقيق، لولا هزيمة الخامس من يونيه “جزيران”.. 1967.
فاذا بكل شىء يتحول إلى كابوس طويل واذا بكل شىء ينتكس، مرتدا إلى ماض سحيق”.

السابحات الفاتنات ودرة الأدب الأمريكى

لم يكن واردا علي البال، إلا أقصر الحديث على الترجمة الرابعة لدرة الأدب الأمريكى ، إلى لغة السينما، واقصد بها رواية «جاتسبى العظيم، لولا أن وكالات الانباء طيرت، قبل بضعة أيام، خبر غياب نجمة عن دنيانا، أختفت تماماً من الشاشات، زهاء نصف قرن من عمر الزمان، حتى كادت تكون نسيا ومنسيا.

Esther Williams is shown in Hollywood, July 13, 1943. (AP Photo)
Esther Williams is shown in Hollywood, July 13, 1943

هذه النجمة التى كان لها من العمر واحد وتسعون عاما وقت ان جاءها الموت، هى »استر ويليمز» التى بهرت جمهور السينما، باستعراضاتها المائية الخلابة، التى صممها الساحر »بيبى بيركلي« فى أكثر من فيلم، بدءاً من »السباحة الفاتنة (1944) وحتى »فاتنة جوبيتر (رب ارباب الاغريق القدامي)« (1955) ففيما بين هذين الفيلمين ، شقت، و»يليمز« طريقها سباحة، فى أكثر من فيلم ، وسط العديد من حمامات السباحة، والبحيرات، بل وحتى البحار والمحيطات، كل ذلك بالوان طبيعية، تخلب الابصار.
وبفضل احتكارها الاداء فى ذلك النوع المستحدث من الأفلام أصبحت احدى النجوم العشرة، التى تحقق أفلامها أكثر للايرادات، خلال عامى 49و 1950.
يبقى لى ان أقول، باختصار، حتى يكون فى وسعى أن أكتب، باقل القليل من الكلمات عن الفيلم الأخير، المأخوذ عن رواية، »جاتسبى العظيم«.
ان »ويليمز« لخصت حياتها فى كلمة واحدة، عندما سئلت، ذات مرة، من هو الرجل المفضل لديها، وقد تزوجت أربع مرات، فجاءت اجابتها، بسيطة، غير مثيرة للدهشة، انه الماء!!
والآن إلى »جاتسبى العظيم«.. لاقول أننى لم أشاهد سوى فيلمين من الأفلام الأربعة المأخوذة عن رواية الأديب الأمريكى »سكوت فينزجيرالده، التى نشرها عام 1925.
وأصبح اسم بطلها »جاتسبي« منافسا فى ذيوع الشهرة لاسم »يوبى ديك« ذلك الحوت الأبيض، المراوغ، المقاوم لعملية جديدة، فى رواية الأديب الأمريكى »هرمان ميلقيل«.
وبداية ، فالرواية عسيرة على الترجمة إلى لغة السينما.
ومع ذلك، فالفيلم المأخوذ عنها، الذى اخرجه »چاك كلايتون« (1974) عن سيناريو للسينمائى الاشهر، »فرانسيز فورد كوبولا« صاحب ثلاثية »الاب الروحي« . كان أقرب بكثير من روح الرواية، مقارنة بالفيلم الأخير المأخوذ عنها (2013) والمخرجه الاسترالى »باز لورمان« صاحب فيلمى »روميو + جولييت« و» الطاحونة الحمراد«.
»فلورمان« لم يصادفه التوفيق، كما صادف »كلايتون«، قبل أربعين عاما، الا قليلا، الذى تعامل مع مأساة »جاتسبي« باعتبارها مأساة تحكى الحلم الأمريكي، وكيف قاله الفشل الذريع.
فحكيه لها عكس »لورمان« كان رصينا، معنيا بأدق التفاصيل فى رسمه لشخصية »جاتسبي« الذى أدى دوره باقتدار النجم »روبرت رد فوره«
وكذلك فى رسمه للشخصيتين الرئيسيتين الأخريين، »ديزى بيوكانا« – وأدت دورها »ميا فارو« ، »وزوجها الثرى المقيت« »توم بيوكانان« ويؤدى دوره »بروس دين« الفائز بجائزة أفضل ممثل فى مهرجان كان الأخير.
وعلى النقيض من ذلك تماما، فيلم »لورمان« فلا عناية بالتفاصيل ، ولا برسم الشخصيات.
وانما حذلقة، قوامها الولع بالصواريخ والفرقعات، ولا شيء آخر، بحيث نخرج من الفيلم، وكأننا رأينا صورة، مقلوبة، مشوهة لفيلمه »الطاحونة الحمراء«.