ذهب مع الريح في ثوان

الأفلام تنقسم إلى نوعين لا ثالث لهما، نوع يبقى على شاشة ذاكرتنا لا يتركها أبداً. ونوع آخر لا يبقى منه شيء، ما أن نغادر دار السينما، حتى يتبخر جملة وتفصيلا، وكأننا، نحن المتفرجين، لم نكن نشاهد فيلماً، قبل ثوان.

وفي اعتقادي أن فيلم “الثواني الحاسمة” من النوع الأخير، ذلك أنه ما أن مرت بضع ثوان على انتهائه، حتى كانت ذاكرتي قد تخلصت لحسن حظي، من أي أثر له، رغم ضخامة انتاجه، واسناد الأدوار الرئيسية فيه إلى ثلاثة نجوم متوجين بأوسكار أفضل ممثل وممثلة، وهم ” نيكولاس كيج”، “روبت دوفال” و “انچلينا چولي”.

المال والنجوم

وهذا لمما ينهض دليلاً على أنه ليس بالمال، ولا بالنجوم المتوجة بالأوسكار، تصنع أفلام تنفع الناس.

وعلى كُلٍ، فـ”الثواني الحاسمة” لا يعدو أن يكون إعادة لفيلم متواضع اسمه “ذهب في ستين ثانية” أخرجه “اتش بي هاليك” قبل ستة وعشرين عاماً بالتمام.

و “كيج” يلعب في الفيلم الجديد، وهو من إخراج “دومينيك سيفا”، دور رجل كان يحترف سرقة السيارات الفارهة في لوس انجلس بولاية كاليفورنيا.

والآن، وبعد أن تاب وأناب، يعيش حياة هادئة، شريفة، بعيدة عن عالم الإجرام. ولكن ماضيه، يقف له بالمرصاد، يطارده، بلا هوادة، في صورة شقيقه الأوحد “جيوفاني ريبيزي” الذي انحرف، فاحترف، دون علمه، مهنة سرقة السيارات.

وها هو ذا مهدد بالموت ميتة بشعة، من قبل زعيم العصابة “كريستوفر ايكلستون” التي يعمل لحسابها، لا لسبب سوى أنه لم يقم بتسليم السيارات المسروقة، المتفق عليها، في الميعاد.

والمطلوب من “كيج” واسمه في الفيلم “رانديل رين” المشهور “بممفيس” افتداء لشقيقه “كيب رين” أن يقوم بسرقة خمسين سيارة فارهة، من ماركة مرسيديس، فما فوق، وتسليمها في زمن أقصاه أربعة أيام.

التهديد والوعيد

وبطبيعة الحال لم يكن أمامه سوى الاذعان لطلب زعيم العصابة المتعطش للدماء، فكان أن عاد سارقاً للسيارات.

وحتى يستطيع تنفيذ المطلوب منه في ذلك الأجل القصير، اسرع بالاتصال برفاقه القدامى أيام الاجرام، كي يقنعهم بالمشاركة في العملية الاجرامية المفروضة عليه، بقوة التهديد والوعيد.

ولقد كان من بين من استجابوا إلى طلبه ميكانيكي سيارات “اوتو”، ويؤدي دوره “روبرت دوفال” وعاملة حسناء في حانة “سارة دييلاند” وتؤدي دورها “انچلينا چولي”.

ولن أحكي تفاصيل أحداث الفيلم كيف تتابعت وتصاعدت إلى ختام مثير فذلك شيء يطول.

وإنما اكتفي بأن أقول، بأنه كعهدنا مع الأفلام القائمة على الحركة انتهى الفيلم بمشهد قوامه مطاردة طويلة في شوارع “لوس انجليس” بين السيارة “فورد – موستانج” يقودها “ممفيس كيج” – وبين العديد من سيارت الشرطة، ومعها الطائرات المروحية، تمد لها يد العون من حين لآخر.

جوهر الأشياء

ولعلي لست بعيداً عن الصواب إذا ما خلصت إلى القول بأن ذلك المشهد إنما يعبر عن جوهر الفيلم أحسن تعبير.

فالسيارة و”ممفيس” ينهب بها الأرض نهباً، هي نجم الفيلم.

وقصة الحب ليست بينه وبين “سارة” وإنما بينه وبين “اليانور”، الاسم الذي أطلقه على السيارة فورد- موستانج، من منطلق الهيام بها.

فهو طوال المشهد، نراه ممتطيا لها، وهو في حالة انتشاء.

ورغم المخاطر الجسام لا يتركها إلا بعد أن يصل بها إلى بر الأمان، وإن كانت في حال يرثى لها من الدمار.

وأعود إلى “انچلينا چولي” لأقول أن اختيراها لأداء دور “سارة” لم يصادفة أي توفيق. فذلك الدور كان أداؤه في وسع أية ممثلة مبتدئة، ليس لها منزلة نجمة فازت، قبل بضعة شهور، بأوسكار أفضل ممثلة مساعدة، عن أدائها في فيلم “فتاة معوقة”.

الثغرة والفشل

وختاماً، يظل لي أن أقول أن السيناريو وإن كان تأليفه منسوباً إلى “سكوت روزنبرج” صاحب سيناريو “أشياء تفعلها في دنفر وأنت ميت” ذلك الفيلم الذي يعد، بحق، واحداً من أربعة أفلام مصنع الأحلام.

إلا أنه جاء مليئاً بثغرات جعلت من “الثواني الحاسمة” فيلماً مخيباً لما علق عليه من آمال.

وقد يكون أهم تلك الثغرات، هو الفشل في التغلغل في عمق المشاعر الانسانية، على نحو يدفعنا إلى التعاطف مع البطل المهدد، هو وشقيقه بموت أكيد، على أيدي الأشرار.

وليس من شك أن ذلك عيب جسيم، انحدر بالفيلم بحيث لم يبق على شاشة ذاكرتنا، سوى بضع ثوان!!

نظرة طائرة على أفلام الصيف

يبدو أن السينما المصرية على وشك أن تصبح سينما الفصل الواحد، وبالتحديد فصل الصيف.

لا تبدأ عروض أفلامها إلا مع حلول ذلك الفصل اللعين بحره وكسله، وبعد ثلاثة أشهر، مع تباشير الخريف.

وظاهر الأمور أن تلك الأفلام الصيفي ربما لن يزيد عددها في الأسابيع القادمة عن أربعة، جميعها من نوع الملهاة، وأغلبها لا يقول شيئاً.

وكان أول عروضها فيلم “شجيع السيما”، بطولة أحمد آدم وياسر جلال، وإخراج علي رجب.

فقر الفكر

والفيلم مقتبس، أو بمعني أصح منقول نقل مسطرة من الفيلم الأمريكي “الطريق الصعب” بطولة “مايكيل فوكس” و “جيمس وودز” وإخراج “جون بادهام” (1991).

“فآدم” هو بديل “فوكس” في دور النجم السينمائي، و “جلال” بديل “وودز” في دور رجل الشرطة وحتى اللقطات لا تختلف عن لقطات الفيلم الأمريكي إلا في أقل القليل.

والآن، ومع انتهاء العام الدراسي ومحنة الامتحانات ارتأى أصحاب فيلم “بلية ودماغه العالية” أن وقت عرضه قد حان.

وكما هو معروف فالفيلم ينفرد “محمد هنيدي” ببطولته.

ولأمر ما أسند إخراجه إلى “نادر جلال” وأغلب الظن أنني لن أحظى بمشاهدته إلا بعد عودتي من ربوع اسكتلندا، وطن “القلب الشجاع”، ذلك الفيلم الذي حصد العديد من أهم جوائز الأوسكار، قبل خمسة أعوام.

وبعد “بلية” لا يبقى من الأفلام الصيفي سوى “سوق المتعة” و”الناظر صلاح الدين”.

والأكيد أن أحدهما على الأقل سيكون معروضاً في دور السينما، لدى عودتي إلى أرض الآباء، فأشاهده مستمتعاً، فيما لو كان فيلماً مصرياً أصيلاً، لا مقتبساً، مثل “شجيع السيما”.

وألا يكون للسينما المصرية سوى أربعة أفلام أو ربما أكثر قليلاً، في فصلها الوحيد، لأمر محزن حقاً.

وهنا، لعله من اللازم المفيد أن أعرض، من باب المقارنة، لبعض الأفلام الأمريكية المعدة للعرض في فصل الصيف الحالي.

وفي عرضي لها إنما أعتمد على ما كُتب عنها في عدد من المجلات السينمائية، مثل “فيلم ريڨيو”، “بريميير”، و”امباير” و”توتال فيلم”.

كمّ وكيف

فحسبما يبين مما جاء في تلك المجلات، لا يقل عدد تلك الأفلام عن خمسة وعشرين.

ومما لوحظ عليها أنها من جميع الأنواع فبعضها، وهو الأكثر تكلفة، عماده الحركة مثل فيلم “مهمة مستحيلة” جزء ثان، وبطله النجم “توم كروز” الذي سبق وأن أسندت له بطولة الجزء الأول.

وفيلم “العاصفة الكاملة” بطولة “جورج كلوني” و “مارك والبرج”.

وفيلم “ذهب في ستين ثانية”، بطولة “نيكولاس كيج” الفائز بأوسكار أفضل ممثل رئيسي، وذلك قبل خمسة أعوام.

وبعض أفلام الصيف الأمريكية الأخرى من النوع الكوميدي لعل أهمها “أنا ونفسي وايرين” بطولة جيم كاري أول نجم يحصل على أجر قدره عشرون مليون دولار عن الفيلم الواحد.

ولانه لا يخلو صيف من عمل سينمائي ضخم من ذلك النوع المسمى بأفلام الخيال العلمي ويصرف عليه عشرات الملايين من عزيز الدولارات، فالأضواء مسلّطة على “رجال أكس” وهو فيلم مأخوذ عن مسلسل ناجح له من العمر ثمانية وثلاثون عاما.

تنوع وثراء

ومن بين الأنواع الأخرى فيلم “الوطني” وبطله النجم “ميل جيبسون”.

وأحداثه تدور في أثناء حرب الاستقلال الأمريكي ضد الاستعمار البريطاني ويأمل أصحابه في أن يرقى إلى منزلة “القلب الشجاع” فنياً وتجارياً. والفيلم من إخراج “رولاند إيميريس”، صاحب “يوم الاستقلال”.

وكذلك من بين تلك الأنواع، وما أكثرها في السينما الأمريكية الواسعة الثراء، فيلما “فانتازيا 2000” و”الطريق إلى الدرادو”، وكلاهما من أفلام التحريك “الكارتون”.

والأول من إنتاج استديوهات ديزني، التي برعت في هذا النوع من الأفلام.

أما الثاني فمن إنتاج “دريم ووركس” المشارك في تأسيسها المخرج الذائع الصيت “ستيفن سبيلبرج”.

وقد سبق لهذه الشركة أن أنتجت “أمير مصر” الستوحى من قصة خروج بني إسرائيل من أرض الفراعين.

سر الهيمنة

وليس من شك أن ذلك التنوع المذهل فيما ينتجه مصنع الأحلام من أفلام، هو الذي جعل من هوليوود عاصمة للسينما، وفتح الأبواب لهيمنتها على الفن السابع في مشارق الأرض ومغاربها.

نجم يحتضر في الواقع والخيال

عندما طيّرت وكالات الأنباء، قبل أيام خبر وفاة النجم الكوميدي الشهير “والتر متاو” لم أفاجأ به، ولم أندهش إلا قليلاً.

فقد كنت أتوقع أن يذاع خبر موته بين لحظة وأخرى، وذلك منذ أن رأيته، قبل أسابيع، هنا في القاهرة، على شاشة إحدى دور السينما في فيلم متقمصاً شخصية رجل عجوز فان، نزيل أحد المستشفيات، حيث تنتظر بناته الثلاث رحيله عن دنيانا.

وفي نهاية ذلك الفيلم “إنهاء المكالمة” ومخرجته النجمة ديان كيتون، نراه يلفظ أنفاسه الأخيرة، في حضور ابنته الوسطى، المهتمة به، وتلعب دورها النجمة “ميج رايان”.

عشق الفن

وعندي أنه لم يقع عليه الاختيار لأداء دور عجوز مريض مرض الموت إلا لأن مخرجة الفيلم، وهي في نفس الوقت تؤدي دور ابنته الكبرى، كانت على علم بأن أيامه في الحياة معدودة.

ومما يثير الدهشة والإعجاب أنه، أي”متاو” كان في أغلب الظن على علم بذلك المصير.

والأكيد أن ارتضاءه القيام بأداء ذلك الدور إنما يشهد له أولاً بالشجاعة على مواجهة الموت، وثانياً بالعشق لفن التمثيل حتى نهاية العمر.

إنه، والحق يقال، من تلك الفئة القليلة التي يجري عشق التمثيل في دمائها، لا تستطيع منه فكاكاً، وآية ذلك عدم قدرته على مقاومة تقمص شخصية إنسان يحتضر، مثلما يحتضر هو في دنيا الواقع.

نجوم وأساطير

ويحضرني هنا فيلم “حيتان أوغسطس” (1987) الذي لعبت فيه النجمتان “ليليان جيش” و”بت ديڤيز” الدورين الرئيسين.

“فليليان” كانت وقتها في الرابعة والتسعين، لم يبق لها من العمر سوى ستة أعوام حتي تصل الي سن المائة عام!! و”ديڤيز” كان عمرها ثمانية وسبعين عاماً، ومريضة بداء السرطان، ولن يمر سوى عامين إلا وتكون قد أسلمت الروح.

إذن نحن أمام نجمتين معجزتين، واصلتا التمثيل رغم زحف الشيخوخة، والاقتراب من نهاية العمر، لا لأنهما في حاجة إلى المال والشهرة وإنما لأن عشق فن التمثيل يجري في دمائهما، يدفعهما إلى التمثيل، حتى النفس الأخير.

وأعود بعد هذا الاستطراد إلى “متاو” لأقول أنه مات عن عمر يناهز الثمانين، مخلفاً وراءه رصيداً هائلاً من أعمال فنية، يزيد على السبعين، ما بين فيلم ومسلسل ومسرحية.

وقد جرى ترشيحه مرتين لأوسكار أفضل ممثل رئيسي، وست مرات للكرة الذهبية التي فاز بها عن أدائه في فيلم “أولاد الشمس المشرقة”.

هذا، وقد فاز بأوسكار أفضل ممثل مساعد، ولعل أهم أفلامه تلك التي قاسمه بطولتها النجم “جاك ليمون”، وعددها أحد عشر فيلماً.

حظ باسم

والأكيد أنه إنسان محظوظ، فلا أتذكر أن أحداً أنهى مشواره السينمائي وهو على مشارف الثمانين، ليس بينه وبين هاوية الموت سوى خطوات، ببطولة فيلم مع ثلاث حسناوات، في مثل سحر وأنوثة “ديان كيتون” و”ليزا كيدروف” و”ميج رايان”.

وعلاوة على ذلك تكون الأخيرة، أي “رايان” هي الابنة البارة التي تسهر على راحته، وهو على فراش الموت، يتغزل في سحر جمالها ليل نهار.

ففما يعرف عن “رايان” أنها جميلة جميلات هوليوود، وحبوبة السينما الأمريكية، لا تعلو على منزلتها في قلوب الأمريكيين منزلة أية نجمة أخرى.

والآن، بعد انفصالها عن زوجها النجم “دنيس كويد” بعد زواج دام عشرة أعوام، تعيش قصة حب، مع النجم “راسيل كرو” بطل فيلمي “المطلع” و”المصارع”.

حقاً كان “متاو” محظوظاً، فحتى وهو يودع الحياة الدنيا في الواقع والخيال، كانت تجلس إلى جواره في دور الابنة العطوفة تلك الفاتنة “رايان”.

ولم لا يكون محظوظاً، وقد أمتعنا بأفلام لا تنسى، كانت تعيد البسمة إلى وجوهنا بين الحين والحين، على امتداد نصف قرن من عمرنا.