فيلم فريد لمخرج جديد

أفلام العيد السعيد، وأقصد بها أفلامنا المصرية، ستة لا تزيد، بينها فيلمان لمخرجين لم يسبق لهما إخراج فيلم روائي طويل.
والفيلمان توابع –”كرسي في الكلوب” لصاحبه سامح الباجوري، و”الشرف” لصاحبه محمد شعبان.
وحتى كتابة هذه السطور لم أشاهد من أفلام العيد سوى، توابع، الباجوري، ذلك الفيلم الذي أتيحت لي فرصة الاستمتاع به في أول عرض عام له، صباح أول أيام عيد الأضحي.

أما لماذا وقع الاختيار عليه دون غيره من أفلامنا، رغم أنه من إبداع مخرج جديد، فذلك لأن هاني فوزي هو كاتب سيناريو الفيلم.
ومما يعرف عنه، أنه مقل، لا يعرض فيما يكتب من سيناريوهات إلا لما هو جاد، وبطرق تتناول الموضوعات المطروحة، بقدر كبير من الابتكار.
وليس أدل على ذلك من سيناريو “أرض الأحلام”، آخر فيلم اشتركت فيه بالتمثيل النجمة “فاتن حمامة” “فهاني” هو صاحب ذلك السيناريو الذي يعتبر، بحق واحد من أفضل ما أبدعته السينما المصرية من سيناريوهات، إبان السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين.
ولأن الفيلم، وصاحبه داود عبد السيد مخرج “أرض الخوف”، أحد أفلام العيد، لم يحقق، لسوء الحظ، نجاحا تجارياً يذكر، فالسيناريوهات التي عانى “هاني” في تأليفها بعد فشل “أرض الأحلام”، لم يكتب لأي منها أن يترجم إلى لغة السينما، زمناً طويلاً، قارب الخمس سنوات.
معنى الكلام
ولكن ها هو ذا، بعد تلك السنوات العجاف، يفك الحصار، عائداً بسيناريو “توابع – كرسي في الكلوب”.
وبداية ماذا تعني كلمة “توابع”؟
هذه الكلمة ظل استعمالها غير شائع، وذلك إلى عهد قريب.
فقبل ثماني سنوات، وبالتحديد في شهر أكتوبر ضرب أرض مصر زلزال عنيف.
ومع الذعر الذي أصابنا، إذا بنا نعرف معلومة تقول من بين ما تقول أن أي زلزال في قوة الزلزال الذي ضرب بر مصر، لابد أن تتبعه هزات أضعف شأناً. وبطبيعة الحال أقل تدميراً، وهذه الهزات جرى التعارف على تسميتها بالتوابع.
ولقد اختار”هاني” كلمة توابع عنواناً للسيناريو وهي لا تزال عنواناً للفيلم، وإن كان على استحياء!!
فالعنوان الطاغي هو “كرسي في الكلوب”.
والأكيد أنه لم تجر إضافته إلا لأسباب تجارية. والأكيد.. الأكيد أن العنوان مع الإضافة، قد أضعف من دلالة الاكتفاء بكلمة “توابع” عنواناً وحيداً.
فإضافة “كرسي في الكلوب” أسهمت، ولا شك، في الايهام بأن “توابع” من نوع أفلام الحركة التي لعب بعض نجومنا، مثل الراحل “فريد شوقي”، وبعض مخرجينا، مثل الراحل “حسام الدين مصطفى”، دوراً كبيراً في شعبيتها.
في حين أن “توابع” على النقيض من ذلك تماماً، فيلم، بجدية موضوعه، بعيد عن هذا النوع من الأفلام.
الآثار والانهيار
فهو يدور وجوداً وعدماً حول ما ترتب على الزلزال من آثار.
وليس المقصود بالتوابع الهزات الأرضية وإنما تلك الآثار، التي هي في حقيقة الأمر أشدّ هولاً.
فأحداث الفيلم تنحصر زمنياً في بعض من نهار اليوم الذي ضرب فيه الزلزال القاهرة، وفي ليلته الليلاء، حتى صياح الديكة في الصباح.
وهي تبدأ بلقطة مكبرة لوجه شادية أو شوشو “لوسي” في الحمام، حيث نراها تمسح البخار عن المرآة، فينكشف لنا شيئاً فشيئاً وجهها الوضّاء، وحيث نسمعها تغني طرباً.
أما لماذا هي في الحمام تتزين وتغني، فذلك لن تمضي سوى ساعات معدودات، فتزف إلى عريس الهنا- يؤدي دوره صلاح عبد الله- العائد من السعودية لبضعة أيام يدخل فيها على شوشو، في أحضان شقة فاخرة، اشتراها بتحويشة العمر، لتكون خير ملاذ له، ينتشله من بئر الحرمان.

ما قلّ ودلّ
وما هي إلا بضع لقطات تالية تمر سريعة، حتى قد جرى تعريفنا، نحن المتفرجين، بكل من أسرة العريس المكونة من أم نكدية– تؤدي دورها علية الجباس- وأشقاء سمان، كلهم من فصيل الأفيال، وصديق العريس مدحت صالح.
وأسرة العروس المكونة من أب أرمل وحبيبها السابق “محمد شرف” فضلاً عن صديقة عمرها “انتصار”.
وبينما الكل، فيما عدا أم العريس وحبيب العروس، في هناء وسرور، إذا بالزلزال يضرب ضربته، واذا بالبيت القديم ينهار.
ومع انهياره تزلزلت النفوس وتعرت، على نحو أدى إلى تمزق العلاقات، فإذا بكل واحد في غير المكان الذي هيأه لنفسه، وأنما في مكان آخر دبرته له الأقدار.
مشهد ومعجزة
ونظراً إلى أن الزلزال هو الحدث الذي تمحورت حوله جميع وقائع الفيلم، فقد اهتم “الباجوري” بتنفيذ مشهد وقوعه، وكيف ضرب البيت القديم، اهتم به أشدّ اهتمام.
ولو قسنا تنفيذه، بكيفية تنفيذ مشهد نفس الزلزال في فيلم “الضائعة” لاستبان البون شاسعاً، ولصالح فيلم “الباجوري” بطبيعة الحال.
فكم كان “الباجوري” موفقاً في إخراج مشهد انهيار البيت في أثناء الزلزال، مراعياً في ذلك أدق التفاصيل، بحيث بدا لنا، وكأننا أمام معجزة لم تكن في الحسبان، إلا وهي تجاوز السينما المصرية أزمة، أو بمعنى أصح، مقولة ضعف الامكانيات وليس من شك أن بعض الفضل في ذلك إنما يرجع إلى مصمم المناظر مختار عبد الجواد.
وختاماً، أرى من الحق عليّ ألا يفوتني أن أقول أن الفيلم أتخذ طابعاً غنائياً.
وبحكم ذلك يدخل في عداد أفلام الملهاة الموسيقية ولأنه لا يعرض إلا لتوابع الزلزال، أعني آثاره، فملهاته، بالضرورة، ملهاة سوداء.
ولا تفوتني كذلك الإشادة بأداء “علية الجباس” لدور الأم النكدية.
حقاً كان أداءً رائعاً، بل أكثر من رائع لأنه من القلب، وهو أمر نادر في هذه الأيام!!

اتهمامات بالجملة لأكاديمية أوسكار

الأفلام المرشحة لجائزة أوسكار أفضل فيلم أمريكي أو متكلم بلغة انجليزية لا تزيد عن خمسة، بأي حال من الأحوال.

وطبعاً لا يدخل في عدادها الأفلام التي يجري ترشيحها– في قسم خاص– لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، مثل “كل شيء عن أمي” آخر رائعة أبدعها المخرج الأسباني “بيدرو المودڨار”.

فهذا الفيلم مرشح للأوسكار.

وقد يكون مفيداً أن أذكر أنه سبق تتويجه بجائزة أفضل مخرج في مهرجان “كان” الأخير. وكذلك تتويجه قبل أسابيع، بجائزة سيزار المخصصة لأفضل فيلم أجنبي.

وسيزار هي المعادل الفرنسي لأوسكار.. وأعود إلى الأفلام المتكلمة بالانجليزية المرشحة لأوسكار، وفي مقدمتها يقف “الجمال الأمريكي” بثمانية ترشيحات، لأقول أن نفراً من النقاد الأمريكيين، على رأسهم “ريتشارد كورليس” ناقد مجلة “تايم” الأمريكية، واسعة الانتشار، قد عاب على أكاديمية هوليوود، واسمها بالكامل أكاديمية فنون الصور المتحركة والعلوم، جنوحها إلى ترشيح الأفلام الخمسة، رغم أن ثمة أعمالاً أعلى منها منزلة، وأرفع شأناً.

غطرسة وتعصب

وذهب ناقد “التايم” إلى أبعد من ذلك، عندما قال أن من الأفلام الخمسة المرشحة حالياً، لا يرقى إلى مستوى “شكسبير عاشقاً”، و”إنقاذ النفر رايان”، الفيلمين اللذين حصدا قبل عام، جوائز الأوسكار.

وأن أعضاء تلك الأكاديمية كانوا أكثر تعصباً لكل ما هو أمريكي من أي عام مضى، الأمر الذي انعكس على ترشيحاتهم للأفلام.

فأحداث الأفلام الخمسة تدور، بلا استثناء على أرض الولايات المتحدة، لا تغادرها أبداً.

وتعرض لطريقة الحياة الأمريكية، وما يتولد عنها من مشاكل، دون أن تحيد عن ذلك قيد أنملة، وكأن العالم، ليس له وجود خارج أرض الأحلام.

ومن بين انتقاداته الأخرى لأعضاء الأكاديمية، ولا أقول اتهاماته، قوله عنهم أنهم أناس متعالون على أنواع معينة من الأعمال السينمائية، مثل أفلام الرسوم المتحركة، والملهاة والحركة.

فأفلام الرسوم المتحركة، لا يجري ترشيحها لأوسكار أفضل فيلم طويل إلا نادراً.

وغالباً ما ينحصر نصيبها  من الجوائز في أوسكار أفضل أغنية. مثلما حدث في العام الماضي بالنسبة لفيلم “أمير مصر”.

احتقار الملهاة

وأفلام الملهاة، هي الأخرى ليست أسعد حظاً وليس أدل على ذلك، من جنوحهم إلى استبعاد النجم الهزلي “جيم كاري” من الترشيح لأوسكار أفضل ممثل رئيسي عامين على التوالي، رغم سابقة فوزه بالكرة الذهبية مرتين عن أدائه لدورين في فيلمين قوامهما الجد، لا الهزل الهازل.

الأولى في “استعراض ترومان” والأخرى في “رجل على سطح القمر” لصاحبه “ميلوش فورمان”، ذلك المخرج الفائز بالأوسكار مرتين مع فيلمه “طار فوق عش المجانين” و”أماديوس” المستوحى من مسرحية بنفس الاسم، تدور أحداثها حول سيرة الموسيقار موزار.

وهنا، لم يفت “كورليس” ناقد التايم أن يسخر بأعضاء الأكاديمية قائلاً أن حظ “جيم كاري” عاثر، ولاشك، لأن القدر لم يشأ له أن يمثل فيلماً هزلياً يعرض في بعض لقطاته لمحرقة اليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية، على أيدي جلادي ألمانيا الهتلرية.

مزايا المحرقة

فلو لم يكن قدره كذلك، فشاء له مثلما شاء للمثل الهزلي “روبرتو بينيني” العام قبل الماضي، عندما أتاح له فرصة إخراج وتمثيل “الحياة جميلة” ذلك الفيلم المتعاطف مع ضحايا تلك المحرقة، لكان في وسعه أن يفوز بالترشيح للأوسكار. فمما يعرف عن “الحياة الجميلة”، وهو فيلم ايطالي متكلم بالايطالية، أنه لم يكتف بترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، بل جرى ترشيحه فوق هذا، ومن باب الاستثناء، ضمن الأفلام الخمسة المتكلمة بالانجليزية، المرشحة للأوسكار، مما كان سبباً في فوزه بأوسكاري أفضل ممثل رئيسي “بينيني” وموسيقى تصويريه، علاوة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، بطبيعة الحال.

وفي رأي ناقد “التايم” أن أفلام الحركة مثلها في ذلك مثل أفلام الرسوم المتحركة ليس لها أن تطمع إلا في الترشيح لجوائز ثانوية من ذلك النوع المخصص للصوت وتوليف المؤثرات الصوتية والمؤثرات البصرية، والفوز بها في أغلب الأحيان.

وضرب مثلاً على ذلك بفيلم “الماتريكس” بالعربية “المتمرد”، لصاحبيه المخرجين العبقريين داني ولاري تشوڤسكي.

ففيما عدا ترشيح فيلمهما الرائع لجائزة أوسكار الخاص بالتوليف، وهو توليف مذهل بكل المعايير، فيما عداه لم يجر ترشيحه إلا لجوائز ثلاث أخرى هي بالتحديد الجوائز الثانوية سالفة البيان.

إعجاز وحرمان

وحرمانه من الترشيح للجوائز الكبرى، لا سيما جائزتي أفضل فيلم ومخرج، لمما يدخل، ولا شك، في باب العجب العجاب.. لماذا؟

لأنه من أفلام الحركة القليلة التي يتطلب خطابها من المتفرج إعمال الكثير من التفكير.

وعلاوة على عمق الخطاب، فالفيلم زاخراً بمزايا أخرى سلبت لب النقاد أينما شاهدوه، على نحو قل أن يكون له مثيل.

ولا غرابة في هذا الاجماع، فهو بصرياً آية من آيات الجمال والابهار.

يخطف الأبصار بتكوينات لقطاته التي تمر سريعة، كالحلم، في ثوان.

ولم يكتف ناقد “التايم” بلوم أعضاء الأكاديمية على خطئهم الجسيم الذي جنح بهم إلى عدم ترشيح “الماتريكس المتمرد” لجائزتي أوسكار أفضل فيلم ومخرج، أسوة بأفلام لا ترقى إلى مستواه، مثل “الحاسة السادسة”، بل تجاوز اللوم إلى التحدي بوضع قائمتين بنبوءاته فيما يتصل بأسماء الفائزين بالأوسكار، بعد أيام.

نبوءات ساخرة

في الأولى تنبأ بفوز “الجمال الأمريكي” هو ومخرجه “سام منديز”. وفي الثانية تنبأ بفوز “الماتريكس- المتمرد” باعتباره الفيلم الذي كان ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أمراً لازماً وتتويجه بها أمراً لا يختلف فيه اثنان.

وهنا لا يفوتني أن أذكر أن الفيلم الوحيد الذي فاز بالأوسكار في قائمتي ناقد “التايم” هو “كل شيء عن أمي”، رائعة المودوڨار. وأن “الماتريكس- المتمرد” قد حالت الرقابة بينه وبين العرض العام.

وأن ثمة أملاً في أن نشاهده، هنا في مصر، وهذا الأمل مرتهن بقرار تبرئة له، تصدره لجنة التظلمات، المنظور أمامها تظلم أصحابه من قرار سابق من اللجنه العليا للرقابة، يبيح عرضه على الكافة، لخلوه من أي شيء يتهدد النظام العام.

وكم أتمنى أن يتحقق الأمل، فلا يجنح أعضاء لجنة التظلمات إلى اضطهاد الفيلم، مثلما اضطهده أعضاء الأكاديمية في بلاد العم سام.

بونو بونو.. جديد أم قديم

كان “جنه الشياطين” أول فيلم من صنع بلدنا، أشاهده في العام الجديد. وكان “بونو بونو” الفيلم الثاني مباشرة لجنة الشياطين.

أما الأفلام الأجنبية التي شاهدتها مع مطلع عام ألفين، فكان أولها “جان دارك” لصاحبه “لوك بيسون” المخرج الفرنسي الموهوب. وثانيها “الحاسة السادسة” للمخرج الأمريكي المنحدر من أصول هندية “نابت شيمايا لان”.

وفيما عدا هذه الأفلام الأربعة لم أشاهد شيئاً، إلا إذا استثنينا “البرتقالة الآلية” رائعة المخرج الأمريكي الراحل “ستانلي كوبريك”، التي شاهدتها مع جمهور الملتقى السينمائي بالمجلس الأعلى للثقافة. وهذا يعني أنني لم أشاهد فيلمي “جميس بوند” والسفير عادل إمام حتى الآن.

وعلى كُلٍ، فالبادي من ظاهر الدعاية لأفلامنا في العيد السعيد، وهي أربعة لا تزيد، أنها، وباستثناء “جنة الشياطين”، من ذلك النوع السائد في هذه الأيام، أي النوع الذي لا يقصد من انتاجه سوى دغدغة حواس المتفرج بالإضحاك.

وليس غريباً أن يكون “النمس” بطولة محمود عبد العزيز و”هاللو أمريكا” بطولة السفير “عادل إمام” من أفلام الملهاة.

القاعدة والاستثناء 

فكلاهما، أي بطلا الفيلمين من ملوك الضحك، ما في ذلك شك.

الغريب حقاً أن يكون “بونو بونو” بطولة نادية الجندي من ذلك النوع من الأفلام. وأن تدخل بطلته في منافسة مع من؟ السيد السفير عادل إمام!!

ولو استرجعنا على شاشة ذاكرتنا أفلام نجمة الجماهير لما بدا الأمرغريباً. فقبل ستة عشر عاماً لعبت الدور النسائي الرئيسي أمام “عادل إمام” في “خمسة باب” ذلك الفيلم الكوميدي الذي صدر قرار من الرقابة بسحب الترخيص بعرضه، بمقولة أنه يسئ إلى سمعة البلاد.

وتنفيذاً لذلك القرار الجائر استمر “خمسة باب” ممنوعاً من العرض العام، زهاء عشرة أعوام. ولولا صدور حكم قضائي من مجلس الدولة لصالح فيلم آخر جرى منع عرضه مع “خمسة باب” وهو “درب الهوى”، لولا ذلك، لما استرد فيلم “نادية – إمام” حقه في العرض العام، حتى الآن.

إذن “نادية” ليست غريبة على عالم الملهاة، بحكم ماض يؤهلها للعودة إلى هذا العالم، متى تشاء.

الشوق والحنين

ولقد شاءت أن تعود إليه في “بونو بونو” ربما من منطلق الشوق والحنين.

ولأمر ما، لا نراها، بدءا من لقطات قيامها باستبدال ملابسها وزينتها في دورة مياه أحد الفنادق، إلا وهي متنكرة في صورة رجل بشنب، مرتد ثياب الرجال، وتظل على هذا الحال زمناً طويلاً.

أما لماذا تنكرت على هذا النحو، فذلك لأن الفيلم يبدأ بها هاربة من مستشفى للمجانين، وفي محاولة منها لتضليل مطارديها، أختارت التخلي عن أنوثتها إلى حين.

وهو اختيار صعب، لان محاكاة المرأة للجنس الآخر بالتنكر على نحو تبدو معه وكأنها رجل أكثر صعوبة من محاكاة الرجل لجنس النساء.

ومن هنا، كثرة الأفلام التي يحاكي فيها الرجال الجنس اللطيف، وندرة الأفلام التي تجري فيها المحاكاة على العكس من ذلك.

ولعل “البعض يحبونها ساخنة” لصاحبه المخرج “بيلي ويلدر” واحد من أشهر أفلام النوع الأول، وأكثرها نجاحاً وصموداً لعاديات الزمان.

ففيه نرى “جاك ليمون” و”توني كورتس” متنكرين ومتزينين مثل النساء، متسللين إلى عربة نوم في قطار، منحشرين وسط فرقة من العازفات، بينهن “مارلين مونرو” نجمة الاغراء.

وبفضل هذا التنكر، تكتب لهما النجاة من مطاردة عصابة من غلاة الأشرار.

الشنب لماذا؟

أما أشهر أفلام النوع الثاني، فلعله “ڤيكتور.. ڤيكتوريا”، حيث لعبت “جولي اندروز” نجمة صوت الموسيقى  دورين فهي تارة “ڤيكتور” وتارة أخرى “ڤيكتوريا”.

والفيلم يبدأ بها مغنية، تبحث عن عمل في ملهى وبعد عناء عثرت على عمل، ولكن بشرط ارتضته اضطراراً. أن تزعم أنها رجل، وذلك الرجل في وسعه الظهور في الكباريه بمظهر امرأة، تغني مثلما تغني المطربات.

ومما سهل مهمة نجمة صوت الموسيقى، وهي تؤدي الدورين، أنها لم تركب شنباً.

ولكن نجمة”بونو بونو” اختارت الطريق الأكثر مشقة، أي أن يكون لها شنب. وقد يكون السبب أن قسمات وجه “نادية” أكثر أنوثة من قسمات “چولي” بوجناتها البارزة، كما الرجال.

وعلى كُلٍ، “فبونو بونو” فيلم قوامه المفارقات الناجمة عن تخفي بطلته في صورة رجل، مثلها في ذلك بطلة “ڤيكتور.. ڤيكتوريا”، ولكن مع فارق أراه كبيراً.

فنادية الرجل سرعان ما ينكشف أمرها، ولما يصل الفيلم إلى منتصفه، وتعود نجمة حركة حسناء، مطاردة من الأشرار، ومنتصرة عليهم في نهاية المطاف.

جمال الأجسام

أما كيف طوردت، وكيف انتصرت، فذلك أمر يطول فيه الحديث.

كما أن الخوض في تفاصيل المطاردات والانتصارات قد يحرم القارئ من متعة المفاجآت، وما أكثرها في بونو بونو!!

ومع ذلك، يحق عليّ أن أقول أن السيناريو مليء بالثغرات. ويا حبذا، لو حاول صاحبه “أحمد البيه” التعلم من روائع مثل “البعض يحبونها ساخنة” و”ڤيكتور.. ڤيكتوريا”.

وأن بطل الفيلم “ياسر جلال” أمامه مستقبل زاهر، فيما لو سعى جاهداً إلى استرداد لياقته البدنية، متمثلاً بنجمة الجماهير!!