“الكيف” للمخرج “علي عبد الخالق” و”الوجه المدمر” للمخرج الأمريكي “بريان دي بالما” فرسا رهان، الاثنان يعرضان في وقت واحد وسط القاهرة، بل في شارع واحد “ميامي وأوديون” والاقبال عليهما منقطع النظير.
والاثنان يعرضان للمخدرات وسمومها من خلال مشاهد غير مألوفة لشم الكوكايين والحقن بالهيرويين لتثير الفزع في النفوس والرعب في القلوب.
والاثنان لكاتبي السيناريو “محمود أبو زيد” و”أوليفر ستون”، وكلاهما له خبرة واسعة في دنيا المكيفات وغرائبها.
فالأخير صاحب سيناريو “قطار منتصف الليل السريع”.. وهو فيلم مداره عالم مهربي الكيف بالشم وخلافه وجرائمهم التي لا تنتهي.
أما “محمود أبو زيد” فقد سبق له وأن أبدع سيناريو “العار” ذلك الفيلم الزاخر بالاسقاطات علي أخلاقيات الفئات المتوسطة القائمة علي محاولة الإثراء بأية وسيلة حتى لو وصل الأمر إلى حد الإتجار بالمخدرات، والتعرض لما تجلبه، في نهاية المطاف ، من عار ودمار ما بعده دمار.
أرواح ميتة
وفي “الكيف” كما في “العار” بطلا الفيلم من الفئات الدنيا المنحدرة من الطبقة المتوسطة.
إنهما “جمال” محمود عبد العزيز و”صلاح” “يحيي الفخراني”.
والفيلم يبدأ بأولهما مقبوضاً عليه مع أفراد فرقة موسيقية إثر خناقة مع أصحاب أحد الأفراح وبفضل لقطات سريعة نكتشف أنه شاب فاسد مستهتر، يعيش وحيداً لا يهمه من متاع الحياة الدنيا سوى الجنس والمخدر، فشل في كلية الحقوق فلم يكمل الدراسة، ولا أمل في أن يسترد الوعي ويتحرر.
وعلي العكس من ذلك شقيقه “صلاح”، فهو رب أسرة صالح ناجح، متخرج في كلية العلوم، يعمل كيمائياً في إحدى شركات القطاع العام، يعيش مع زوجته “رجاء” “نورا” وابنه “كوكي” “كريم أبو زيد” عيشة تبدو مستقرة هانئة، هادئة، ولكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.. كيف؟
السقوط.. لماذا؟
فدخله من عمله الشريف قليل وأعباء الحياة ومتطلباتها كثيرة، فهو مثلاً، ورغم علو مركزه، غير قادر على توفير المال اللازم لالحاق ابنه الوحيد بإحدى المدارس.
وفي سبيل الخروج من هذا المأزق الصغير، يقتنع بمنطق شقيقه الفاسد، فيوافق على صنع كمية من تركيبة كيميائية شبيهه بالحشيش لوناً ورائحة ومذاقاً بغرض الإتجار.
ومع هذه السقطة الأولى يبدأ مسلسل مرعب من الانحدار ينتهي بالأسرة كما في العار إلى نهاية فاجعة.
فها هو ذا “صلاح”– بعد أن أمر “البهظ” “جميل راتب” كبير تجار المخدرات بحقنه بالهيروين لإجباره على الاستمرار في صنع تلك التركيبة.. ها هو يتحول إلى مدمن فاقد الوعي اختصرت إنسانيته حتى أصبحت أصغر من حبة خردل.
شطحات وخيالات
والكيف يعرض للانهيار من خلال أحداث تجري في خطين متوازيين.. خط الكيف ولوازمه من ناحية، وخط الأغنية الهابطة ومشتقاتها من ناحية ثانية.
والخط الأول ليس فيه جديد سوى فكرة التركيبة الكيمائية الشبيهه بالحشيش يتعاطاها المدمن فترتفع به إلى سماء الدهشة، تسافر به إلى مدن الغرابة كما الحشيش غير المغشوش تماماً؟!
وفي اعتقادي أن تلك الفكرة بعيدة عن الواقع، أقرب إلى الخيال العلمي وشطحاته منها إلى أي شيء آخر..
ومن هنا إفلات البناء الدرامي من يد صاحب السيناريو في الثلث الأخير من الكيف.
وعلى كُلٍ، فهذا المأخذ لا يقلل من أهمية الكيف، ولا يحول دون إبداء الإعجاب به ككل، والإعجاب بحدوتة صعود جمال أو “مزاجنجي”.. اسم شهرته في الأوساط السفلى– في عالم الطرب والغناء.
دائرة الكسل
والشيء الأكيد أن “الكيف” مثله في ذلك مثل “العار” قد نجح في الخروج من دائرة الإعادة والتكرار.
فتجار المخدرات فيه يعربدون يفرضون قانون الغاب دون تخوف من شرطة مختفية لا تشعر بأن لها وجوداً.
وأماكن الأحداث فيه قد تم اختيارها بعناية فائقة، وبحس معماري رفيع، وجرى تصويرها بكاميرا “مأمون عطا”.. وهو فنان واعد يتقن لعبة الظل والتمويه.
وحوار الأبطال فيه شيق لاهث، يضيء كالبرق، فضلاً عن رسم لشخصية “جمال” المزاجنجي” وللشخصيات الثانوية وبالذات “الريس ستاموني” فؤاد خليل، مؤلف أغنية “يا قفا.. يا قفا” من خلال لمسات سريعة، وجمل معبرة من حوار بارع.
والأكيد.. الأكيد أن وراء الكيف كاتب يفكر، وليس فيلمه سوى واحد من الجزر الجميلة القليلة التي يهديها الفكر للسينما المصرية.