سينما لا تكذب ولا تتجمل       

“الحارس العنيد” من ذلك النوع النادر من الأفلام التي تدخل في عداد ما اصطلح على تسميته بالسينما السياسية.

والأكيد أنه بحكم ذلك، إنما يفسح مكاناً لزاد عظيم من الفن والفكر المستنير الجاد.

ومما يعرف عنه أنه قد جرى ترشيحه لأكثر من جائزة كرة ذهبية وأوسكار.

وقد فازت نجمته “راشيل وايز” بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن روعة أدائها لدور امرأة انجليزية متفانية في الانسانية “تيسا” ينتهي بها الأمر مقتولة في مجاهل كينيا.

الانسان ومصيره

وشأن الأفلام الجادة، أثار عرضه نقاشاً فكرياً بين المهتمين بمحنة شعوب أفريقيا، بل بين المهتمين بمصير الانسان بوجه عام.

وبداية، فالفيلم مستمد من قصة ألفها أديب الحرب الباردة الأشهر “جون لوكاري”، تحت اسم “البستاني الخالد”.

وترجمها إلى لغة السينما “فيرناندو ميرليس” المخرج البرازيلي، صاحب “مدينة الرب” ذلك الفيلم الذي أحدث ضجة كبرى عند عرضه بفضل تناوله الصادق، والجرئ لمحنة جماعات ضائعة من شباب “ريو دي چانييرو” عاصمة البرازيل، تعيش ولا هدف لها في الحياة سوى العنف.. عنف وحشي، وليد الاحساس بالفراغ في الروح، والفراغ في الجسد، والفراغ في الوقت.

مأساة القارة العذراء

وأرجح الظن أن أحداً لم يصور مأساة الشعوب الافريقية تحت حكم الاستبداد والفساد مثلما صورها المخرج البرازيلي بأسلوب فريد، أداته كاميرا يد، قوامه ايقاع سريع، وعنصر تشويق، مستمد من قصة “لوكاري” الأشبه بالقصص البوليسية، لانطوائها على قتل وتهديد، وقبض وتحقيق وتعذيب، ومطاردات، وما إلى ذلك من وسائل الاثارة والتشويق.

فأفريقيا، كما نراها في الفيلم، قد تحول بها الاستبداد والفساد من جنات إلى أرض خراب وصحراء يباب.

قصة حب وعطاء

وفضلاً عن تقديم أفريقيا على هذا النحو، أي دون تزييف وتجميل، فقد نجح صاحب الفيلم في أن يقدم لنا لوحة درامية كاملة ورائعة للبذل والعطاء، متمثلاً في كفاح “تيسا” من أجل كشف المستور من جرائم استغلال أحد احتكارات صناعة الأدوية لإصابة الكثير من الأفارقة بمرض الايدز، لاجراء تجارب مميتة عليهم بدلاً من الخنازير والفئران، بهدف اختراع مصل ضد مرض السل، الذي يتوقعون له عودة وانتشاراً، يصرع ملايين البشر.

ومع تلك العودة، وذلك الانتشار يأملون فيما لو نجحت التجارب، أن يحقق الاحتكار أرباحاً فلكية.

صمود وتصدي

وكفاح “تيسا” هذا يكمله في اللوحة الدرامية كفاح زوجها “جستين كوبل” الدبلوماسي والبستاني الوديع بعد مقتلها بأيدي عملاء ذلك الاحتكار وهو كفاح ينتهي به صلباً، عنيداً، عنيفاً، حتى ينجح في فك طلاسم الجريمة، والوصول إلى بعض الحقيقة وهو أن جرائم احتكارات انتاج الأدوية في حق الانسانية أشدّ هولاً من جرائم مهربي السموم البيضاء وأن تلك الجرائم ترتكب جهاراً، نهاراً، لأن الشعوب الأفريقية تحت نير الاستعباد والاستبداد والفساد.

روعة الأداء

يبقى لي أن أقف قليلاً عند الأداء لأقول أن المخرج كان ماهراً في اختيار الممثلين، ووضع كل واحد في مكانه المناسب.

وكان “رالف فينيس” رائعاً في تقمصه لشخصيه الدبلوماسي الوديع، الملتاع، وساعدته ملامح وجهه البريئة المستحية على اداء الدور.

ولا يفوتني أن أذكر أن تصوير المجموعات في أفريقيا بدت منها براعة مخرج يجيد لغة السينما.