صعود وارتقاء مخرج عربى وحيد نوعه

عادة ما يكون الفيلم الاول دالا علي ما اذا كان مخرجه يمتلك موهبة اصيلة، تؤهله فيما هو قادم من أيام، إلى ان يضيف شيئا جديدا إلى لغة السينما.
Abdellatif Kechiche

ولقد أكد »عبداللطيف قسْيسَ«، ذلك المخرج الفرنسى المنحدر من أصل تونسي، انه يتحلى بتلك الموهبة النادرة بدءا من فيلمه الاول «ڤولتير هو الغلطان» الذى ابدعه، قبل أربعة عشر عاما مضت.

فما أن جرى عرض فيلمه هذا، حتى أحدث دوياًفى الاوساط السينمائية ووصل صداه إلى مهرجان ڤينيسيا العريق (2000)، حيث فاز بجائزتى «سينما
المستقبل» و «لويجى دى لاورنتيس»، تلك الجائزة المكرسة لتخليد ذكرى المنتج الايطالى الشهير ولا غرابة فى ان يبهر الفيلم
لجنة تحكيم ذلك المهرجان فموضوعه، على غير المألوف فى الافلام التى تتناول أحوال المغتربين سواء فى فرنسا أو فى غيرها من البلاد La Faute à Voltaireالاوروبية، لم يعرض للظروف المعيشية التى يعانى منها من غادروا أوطانهم، بحثا عن حياة انسانية أفضل.

وانما عرض لمعاناة من صنف آخر، كيف يتعامل المغترب مع مجتمع مختلف تماما عن المجتمع الذى ولد فيه، ومارس الحياة فيه، بحلوها ومرّها سنوات طويلة من عمر الزمان.

فبطل الفيلم، واسمه «جلال» تبدأ به أولى اللقطات، وهو يستمع بآذان صاغية لنصائح اعمامه بالا يكون صادقا عند ادلائه بأقواله امام رجال السلطة الفرنسية، حتى يستطيع الحصول على ڤيزا بالاقامة المؤقتة فى ربوع فرنسا فهو تونسي، ولكن عليه ان يقول كذبا انه جزائرى طالبا اللجوء السياسي، فجأة بنفسه من الاضطهاد الذى تمارسه السلطات الجزائرية، ضد المعارضين للنظام.

وهو ليس على باله مباديء الثورة الفرنسية، المنادية بالحرية والمساواة والاخاء.

ولكن عليه ان يداهن مستجوبيه، فيركز على ايمانه بتلك المباديء، القائمة على احترام حقوق الانسان.

وعليه ان يضع فى الاعتبار ان الفرنسيين انما يتوهمون انهم هم من اخترعوا الحرية، وانهم مولعون حقا بحقوق الانسان، ويكنون لها كل الاحترام هكذا يبدأ الفيلم بتلك الاكاذيب يتفوه بها «جلال»، ويحصل بفضل ذلك على الفيزا المؤقته.

ويحكى سيناريو الفيلم، كيف عاش حياته فى مجتمع كل ما فيه غريب، لم يألفه اثناء حياته فى وطنه الام.

وتنتقل الأحداث «بجلال» من واقع غريب إلى واقع اكثر غرابة، إلى ان ينتهى الامر، بختام يبدو فى الظاهر انه مفاجيء، ولكنه، متوقع، وسائغ من منطلق تسلسل الاحداث على نحو فيه من الوان العبث الشيء الكثير وكان فيلم ؛قشيش» الثانى واسمه «الاعيب الحب والصدفة» (2003) مؤكدا انه صابح موهبة اصيلة، وآية ذلك فوزه، هو ومخرجه بجائزة «سيزار» الفرنسية، التى تعادل جائزة الاوسكار.

ولم تمض سوى أربعة أعوام الا وكان قد فاز فيلمه الثالث «حبات القمح والسمك» مع مخرجه مرة ثانية بجائزة سيزار واثناء عام (2010) جرى عرض فيلمه الرابع «ڤينوس السوداء» الدافع للعنصرية التى كانت سائدة فى المجتمعات الاوروبية، رغم المباديء الثلاثة «حرية» مساواة واخاء ثم يتوج كل ذلك، بفوز فيلمه الخامس «حكاية اديل» أو «الازرق اكثر الالوان دفئا «بسعفة كان الذهبية» (2013).

وهكذا، قضى الامر، وانتهى اللغط حول من هو أفضل المخرجين العرب جميعا.

انه «عبداللطيف قشيش»، صاحب تلك «الروائع الخمسة»، وكل واحدة منها تعتبر اضافة قيمة للفن الاكثر جماهيرية!!