واختارت السينما الهندية سكة السلامة

الي عهد قريب كان يطلق على السينما الهندية سينما المخرج الواحد

ويقصد بذلك المخرج الذى اختذلت فيه السينما الهندية “ساتيا جيت راي”.
Satyajit_Ray

ففيما عدا افلامه التى يعد آخرها من روائع السينما العالمية، كانت أفلام
غيره من مخرجى السينما الهندية، فى معظمها يغلب عليها طابع الرقص والغناء مصحوبين بحكاية تافهة لاتقيم وزنا للواقع الذى تعيشه الأغلية المطحونة بالبؤس، المسكونة بالخوف من استمرار خطر الاعداء الثلاثة.. الفقر والجهل والمرض، فى ربوع شبه القارة الهندية، المترامية الاطراف.

وكان لمفارقة “راي” الحياة، قبل حوالى 22 عاما، وتحديداً عام 1992، وقع الصاعقة على الأوساطة السينمائية شرقاً وغربا.

رأت فيها نذير شر مستطير، يتهدد مستقبل السينما الهندية، فيما هو قادم من ايام غير أنه، وعلى عكس المتوقع، لم نمض سوى بضعة اعوام، إلا وقد اخذت السينما الهندية فى الإزدهار

فبفضل عدة عوامل استجدت فى ساحة تلك السينما اذكر من بينها.

اولا: التخلص من الكثير من الموانع الرقابية، مثل خطر أى عرض لمظاهر الفقر، على نحو يسيء لسمعة البلاد، ومثل تبادل القبلات الغرامية فى مشاهد الحب والهيام، حفاظا على حسن الآداب، بعدم خدش الحياء!!

ثانيا: الانفتاح على السينما العالمية، دون اية عوائق، وعلى نحو غير مسبوق فى تاريخ سينما، اختارت العزلة، حماية للسوق الداخلى من المنافسة الاجنبية.

ثالثا: ظهور كوكبة من السينمائيين الشبان الذين كان للأفلام التى أبدعها “راي” قبل رحيله، تأثير كبير على رؤياهم لفن السينما.

وسرعان ، ماظهرت. بفضل تلك المستجدات بشائر سينما هندية جديدة، كاشفة لحقائق الحياة الاساسية التى يعنى بها ، ويتصارع معها عامة الناس على امتداد شبه قارة، تعج بتموجات الحياة وتقلباتها بشائر روح جديدة، ترمى الى الخروج بالسينما الهندية من دور الجمود والتقليد الى دور الابتكار فى جميل المعانى والاساليب.

وكان من اولى تلك البشائر الفيلم الهندى الانجليزى المشترك “كلب العشوائيات المليونير” (2008) حيث تدور الاحداث فى “مومباي” اكثر مدن الهند ازدحاما بالسكان، وحيث تكاثرت العشوائيات يعيش فيها الناس كالجرذان.

ولانه كان فيلما صادقا، صور الحياة فى عشوائيات “مومباي” وضواحيها بدون رتوش وتزييف خرج من مضمار التنافس على جوائز اوسكار فائزا باكثر من جائزة ، على رأس جائزة افضل فيلم.

ولن اقف عند غيره من البشائر، فذلك شيء يطول مكتفيا بالوقوف عند فيلم واحد، من بينها، اقيمت لى فرصة مشاهدته قبل بضعة ايام لاعلى شاشة كبيرة فى احدى دور السينما، وانما على شاشة التلفاز حيث اقيم، لان مثله لاتتاح له فرصة العرض العام عندنا فى ربوع مصر.

وذلك، الفيلم اسمه “صندوق وجبة الغذاء”، مترجماً من اسمه الاصلى باللغة الهندية “دابا” (2013).

وهو اول عمل روائى طويل لصاحبه المخرج “ريتيش باترا” وفى نفس الوقت كاتب السيناريو.

ويتقاسم بطولته كل من “عرفان خان” الفائز فى مهرجان دبى السينمائى بجائزة “المهر” لافضل ممثل رئيسي.

بطلته “فنيمرات كاوور”.

و”عرفان خان” يلعب دور ارمل فى خريف العمر، أوشك على اعتزال الخدمة فى الشركة حيث عمل لسنوات طوات.

اما هى “نيمرارت” زوجة فى مقتبل العمر، ولها من زوجها المشغول دائما بعمله، ابنة صغيرة.

والاثنان لايلتقيان ابدا، طوال مدة الفيلم ، مكتيفيان بتبادل الرسائل الموضوعة فى عمود الغذاء الذى سلم خطأ إلى “خان” فى مكتبه بالشركة، ساعة الغذاء، بواسطة العامل حامل الاعمدة. المكلف بتوصيلها الى اصحابها ، المرسلة اليهم من ذويهم فبفضل ذلك الخطأ يتعارف الاثنان، ويتبادل كلاهما مع الآخر الرسائل، التى من خلالها نعرف الشيء الكثير من آمال الاثنين، واوجاعهما، ومايعيشان من عشرة وندم على ما فات، وضاع كالهباء.

والفيلم فى عرضه لما يحكيان فى الرسائل، ينساب فى هدوء وبإيقاع بطيء، يذكرنا باسلوب “راي” يقول الشيء الكثير عن معاناة عموم الناس فى الهند الحديثة.