صيف الفوضي والتخليط

علي غير المعتاد في أشهر الصيف، لم تحتكر السينما المصرية دور العرض في المحروسة بأفلام أدمنت التفاهة والإسفاف والتهريج الرخيص. حقاً، بدأ موسم هذا النوع من الأفلام بعملين سينمائيين هابطين، أحدهما »زي الهوا« لصاحبه المخرج أكرم فريد، والآخر »الفرقة 16 إجرام« لصاحبه المخرج »حامد سعيد«. وكما كان متوقعاً، كان حظ كليهما من الفشل كبيراً. وأية ذلك عدم استمرار عرضهما في دور السينما سوي بضعة أيام، الأمر الذي عجل بعرض »العيال هربت«، وهو فيلم من نفس عينتها، لكاتب السيناريو »أحمد البيه«، والمخرج »مجدي الهواري« ولكن، وعلي غير عهدنا بموسم الصيف وأفلامه الهابطة، جري ولدهشتنا، عرض أفلام من نوع مختلف، بعضها مصري، ذو طابع جاد، يحاول أن يقول شيئاً مفيداً للناس، حتي وإن لم يصادفه التوفيق وبعضها الآخر أمريكي من نوع الانتاج الضخم، ذلك النوع الذي انفرد بإنتاجه، أوكاد مصنع الأحلام في هوليوود ذات الجلال في كل العهود.
وأقف قليلاً عند أفلامنا التي نجحت في اختراق حاجز الخوف من العرض أثناء أشهر الصيف تحسباً من منافسة خساس الأفلام.
وهي حسب ترتيب عرضها في دور السينما »أوقات فراغ« و»عمارة يعقوبيان« أول فيلم روائي طويل لمخرجه الشاب »مروان حامد« و»عن العشق والهوي« ثالث فيلم روائي طويل لمخرجته الواعدة »كاملة أبوذكري« صاحبة »ملك وكتابة« الفيلم الفائز بأكثر من جائزة في المهرجان القومي للسينما المصرية »2006«.
ولم يكن بين الأفلام الثلاثة فيلم انطوي علي مفاجأة سارة لنا سوي »أوقات فراغ«.
أوقات فراغ أما لماذا كان مفاجئاً لنا علي نحو جدد الأمل فينا، فذلك لأننا اكتشفنا بفضله أن ثمة عقولاً تفكر ونفوساً تحس بأزمة السينما عندنا، وسبل الخروج بها من النفق المظلم الذي وجدت نفسها محشورة فيه، إلي نور الوعي الحر بحقيقة أوضاعنا التي تزداد تردياً علي مر الأيام ومن بين العقول التي تفكر والنفوس التي تحس أخص بالذكر منتج »أوقات فراغ« وكيف وقع اختياره علي كاتب سيناريو يسير إلي العشرين »عمر جمال«.
وكيف تحمس لشبان توسم فيهم موهبة الحضور وحسن الأداء، ومن فرط حماسه سارع باختيارهم لأداء الأدوار الرئيسية في الفيلم، غير مكترث مما قد يواجه التجربة معهم من مخاطر جسام.
وكيف أناط دون تردد إخراج الفيلم إلي سينمائي مغمور »محمد مصطفي« ظل زهاء ربع قرن من عمر الزمان يعمل لمساعد مخرج، أو بمعني أصح مخرج ظل لمخرجين آخرين يفتقدون الموهبة أو أنصاف موهوبين.
كل ذلك أطلت الكلام فيه لأنني رأيته مفتقداً في »عمارة يعقوبيان«.
والآن أنتقل إلي الأفلام الأمريكية التي تسللت إلي موسم ليس لها فيه مكان، لا أعرف كيف وعلي كل، فهي الكارثة »بسيدون« اللعنة في أعماق الإنسان و»عودة السوبر مان«.
واللافت للنظر في الأفلام الأربعة أن نصفها لا يعدو أن يكون إعادة إنتاج لفيلمين قديمين أحدهما »مغامرة بسيدون« 1972 والآخر »اللعنة« 1976.
ولا يميز الفيلمين الجديدين عن فيلمي سبعينيات القرن العشرين سوي المؤثرات السينمائية المستحدثة والتي تعد وبحق آخر صيحة في مجال أصبح مصير فن السينما مرتهناً به إلي حد كبير.
ومن عجب أن »اللعنة« أكثر الأفلام الأربعة نجاحاً في الشباك.
ولعل ذلك يرجع إلي أن مخرجه »جون مور« أدار الفيلم من البداية وحتي النهاية حول نبوءات شيطانية بلغت فظاعتها مبلغ الأساطير وأحسن إخراجه لها علي نحو كان لابد أن يوقع الكثير في شرك ما انطوت عليه من أوهام.
هذا عن فيلمي النصف الأول، أما النصف الآخر ففيلماه علي العكس من ذلك تماماً كلاهما فيه من الجدة الشيء الكثير ولا غرابة في هذا، ففي أعماق الإنسان مخرجه »سبايك لي« و»عودة السوبرمان« مخرج »بريان سنجر«.
وكلاهما كما هو معروف لعب دوراً كان له بعض التأثير علي مسار السينما في بلاد العم سام و»سبايك لي« من فئة قليلة من المخرجين السود، استطاعت أن تشق طريقها بنجاح في مجال صناعة الأفلام.. وأين؟.. في دغل مصنع الأحلام!!.
فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو يخرج بانتظام ما يريد، وقتما يريد، بعيداً عن تسيد استديوهات هوليوود الكبري.
ومن بين رصيده الحافل بروائع الأفلام »افعل الشيء الصح« 1989 و»حمي الأدغال« 1991 و»مالكولم اكس« 1992 الزعيم الإسلامي الكبير الذي مات مقتولاً، مثله في ذلك مثل »مارتن لوثر كنج« الزعيم المسيحي المناضل ضد التمييز العنصري في الولايات المتحدة.
وأول ما لاحظته وأنا أسترجع أفلامه علي شاشة ذاكرتي أن أحداً منها لم يعرض في مصر عرضاً تجارياً.
ومن هنا الجهل به وبأهميته، وعدم الإقبال علي مشاهدة فيلمه الأخير رغم انعقاد بطولته لكوكبة من الممثلين والممثلات، أذكر من بينهم »دنزل واشنطن« و»جودي فوستر« وكلاهما فاز مرتين بجائزة أوسكار يبقي »عودة السوبرمان«.
ولأن الحديث عنه يطول، أؤجله إلي الأسبوع القادم، حيث أتحدث عنه مع »عودة النذلة« لصاحبه المخرج »سعيد حامد«.