عسكر في المعسكر

هذا فيلم توافرت له جميع عناصر النجاح، ومع ذلك باء بفشل ذريع.

فكاتب سيناريو الفيلم “أحمد عبد الله” مؤلف “اللمبي” ذلك العمل السينمائي الذي فاق بنجاحه كل التوقعات، وذلك عندما حقق ايرادات، جاوزت برقمها الفلكي أية ايرادات حققها أي فيلم مصري آخر، على امتداد خمسة وسبعين عاماً أو يزيد.

ومخرجه “محمد ياسين” صاحب “محامي خلع” ذلك الفيلم الذي بدأ به مشواره في ابداع الأفلام الروائية الطويلة.

وكان بدءًا، والحق يقال، مبشراً بميلاد مخرج جاد واعد. وممثلوه كوكبة من ملوك الإضحاك، أذكر من بينهم محمد هنيدي، حسن حسني، صلاح عبد الله وماجد الكدواني.

سر الفشل

ورغم توافر جميع عناصر النجاح هذه، فشل “عسكر في المعسكر” فشلاً ذريعاً.. لماذا ؟

يعكس الفيلم وبصدق، حال السينما المتردي في مصرنا، وحالها مستقبلاً، فيما لو كتب لهذا التردي الاستقرار والاستمرار.

وابدأ بالأداء لأقول أن جميع ممثلي الفيلم وممثلاته، بدءًا من “محمد هنيدي” في دور “خضر” المجند الصعيدي الساذج، مروراً “بحسن حسني” في دور أبيه، وصلاح عبد الله في دور خاله الفاجر، الماجن، مدرس التاريخ سابقاً، والمشهور في ملهى ليلي، حيث يعمل تحت اسم “حسن كولونيا” وانتهاء “بماجد الكدواني” في دور “متولي” زميله في المعسكر، وغريمه المكلف من قبل أمه وعمه بقتله ثأراً لأبيه، و”لقاء الخميسي” زوجته في السراء والضراء، و”حنان طويل” في دور راقصة الملهى اللولبية، وأم فم كبير.

أقول جميعهم، وبلا استثناء، لم يعتمدوا في التعبير على الصدق والاقتراب من الواقع، ولو قليلاً.

ضجة بلا طحين

وإنما اعتمدوا، بل قل تعمدوا الزعيق والتشنج والتشويح، دون أية مراعاة للذوق الرفيع وأصول فن الأداء.

باختصار، ارتدّوا بهذا الفن الجميل إلى ما يشبه التشخيص في كازينو ليلاس، وغيره من الكازينوهات المماثلة بروض الفرج أيام زمان.

وفوق سوء الأداء وصل الكسل بكاتب السيناريو إلى حد اتخاذه من موضوع فيلم قديم “شهر عسل بدون ازعاج” (1968)، قام “عبد المنعم شكري” باخراجه واسناد بطولته لكل من “حسن يوسف” و”محمد عوض” و”ناهد شريف” و”أمين هنيدي” موضوعاً لفيلم “عسكر في المعسكر”.

الجديد القديم

فكلاهما يدور موضوعه حول الثأر، وكلاهما تلعب فيه الصداقة تحت تهديد الثأر، دوراً كبيراً. وكلاهما يعجز فيه البطل المتزوج حديثاً عن الاستمتاع بزوجته، في الحلال.

فما أكثر فشل هنيدي في محاولاته المتكررة، من أجل الاستمتاع بزوجته في شهرالعسل، فكلما حاول ذلك، انهالت المصائب على رأسه مصيبة وراء مصيبة، بلا منطق معقول ولا سبب ظاهر، وبتلفيق وقص ولزق، لا هدف منه سوى أضحاك المتفرج بدغدغة حواسه، بقصد تذكيره بالطبيعة الهزلية للفيلم الذي يشاهده، وبلزوم أن يضحك، ولو إكراهاً.

ولو، كما قال أحد النقاد، بالضرب والرفس، وفاحش العبارات.

الوهم الكبير

ولا غرابة في أن يهفو السيناريو كل هذه الهفوات، متى كان السائد الآن في الوسط السينمائي أن الجمهور ساذج ومن السهل استهباله!!

غير أن هذا الجمهور الساذج السهل الانقياد، وهم في عقول السينمائيين لأني سمعت أكثر من ملاحظة استنكار من جيراني البسطاء، وأنا جالس في قاعة دار السينما، أشاهد “عسكر في المعسكر”.

وكانت كلمة “مش معقول” هي الكلمة التي تتردد بانتظام في الظلام!!