!!لا للإرهاب ولا للتطبيع

كان “أمن دولة” و”فتاة من إسرائيل” فرسا رهان، بدءًا من عيد الأضحى الأخير، وحتى الآن.

فكلاهما نافس، ولا يزال ينافس، الآخر في مضمار الصراع، من أجل الفوز بنصيب الأسد من إيرادات الشباك، خاصة بعد فشل فيلمي “الظالم والمظلوم” و”الزعيم”.

واللافت للنظر في الفيلمين المتنافسين أن كليهما يقطر سياسة، ويتبنى نظرية المؤامرة التي تقول من بين ما تقول أن اسرائيل تسعى جاهدة إلى هدم مجتمعنا، عن طريق الإفساد لشبابنا، تارة بدفعهم إلى هاوية الإرهاب، وتارة بإغرائهم على تعاطي المخدرات، وارتكاب الفحشاء مع بنات اسرائيل.

كم عمر اللاءات

ويتمحور “أمن دولة” حول خطر الإرهاب الممول من قبل الدوائر الحاكمة في اسرائيل. أما “فتاة من اسرائيل”، فيتمحور حول الجنس والسموم البيضاء ورفض التطبيع.

وينفرد الفيلم الأول، وبطلته “نادية الجندي” نجمة الجماهير، دون الفيلم الثاني وبطلاه “رغده” و”محمود ياسين” بعدة مزايا، أذكر من بينها على سبيل التمثيل:

أولاً: انتقال مخرجه “نادر جلال” بالأحداث إلى أكثر من بلد أجنبي كفرنسا وقبرص ولبنان، هذا في حين أن أحداث الفيلم الثاني كادت تنحصر في مكان واحد هو فندق طابا.

اختلاف اللغات

ثانياً: غلبة السينما على أسلوب إخراجه، ولا غرابة في هذا بالنسبة لفيلم مخرجه سينمائي مخضرم، رصيده من الأفلام جاوز الخمسين عداً. وحال “فتاة من اسرائيل” على العكس من ذلك تماماً.

فما أكثر المشاهد فيه التي تغلب عليها لغة المسرح، وهو ما انعكس، بصفة خاصة على أداء الممثلين، لاسيما محمد متولي ومحمود ياسين. ولعل مجيء الفيلم مشوباً بذلك العيب يرجع إلى أنه أول عمل سينمائي للمخرج الشاب إيهاب راضي.

وربما يرجع إلى سبب آخر هو ضعف سيناريو قوامه الثرثرة، كتبه طابور طويل من محترفي السيناريوهات المفتعلة، المفتقدة للروح، يتصدره الدكتور رفيق الصبان. ولعله من المفيد هنا، ونحن في مجال المفاضلة بين الفيلمين، أن أذكر أن “فتاة من اسرائيل” زاخر بالفتيات شبه العاريات.

حضور وحيوية

ومع ذلك فأي منهن ليس لديها حضور يرقى إلى مستوى حضور نجمة الجماهير.

كما أن أياً منهن تفتقد حيويتها، تلك الحيوية التي أهلتها لتربع عرش أفلام الحركة، دون منازع زهاء عقدين من عمر الزمان.

ومما يعيب “فتاة من اسرائيل” الغلو في كل شيء على نحو أفقده أية مصداقية. فاليهود فيه لا يسعون فقط إلى توسيع رقعة أرض إسرائيل، بحيث تمتد من الفرات إلى النيل.

حكماء صهيون

بل يسعون كذلك إلى إحكام قبضتهم على العالم بأسره، عملاً ببروتوكولات حكماء صهيون وهم في سبيل تحقيق ذلك لا يتورعون عن استعمال أحط وسائل الفساد.

ومما يُعرف عن تلك البروتوكولات أن أحداً لم يسمع بها، إلا في مستهل القرن العشرين، حيث جرى نشرها داخل روسيا القيصرية، التي كانت سجناً للشعوب في ذلك الزمان (1901).

وكان النشر بغرض إثارة النعرات العنصرية والدينية، وذلك لصرف أنظار شعوب سجن القيصرية، عن قضية المطالبة بالحرية، والاستقلال.

وقد جاء أول ذكر لتلك البروتوكولات في الفيلم على لسان “عبد الغني درويش” أستاذ التاريخ ووالد الشهيد ويؤدي دوره محمود ياسين وذلك في أثناء مساجلة حامية مع الدكتور يوسف أستاذ علم الاجتماع في إحدى الجامعات الاسرائيلية، ويؤدي دوره فاروق الفيشاوي. وسرعان ما تأكدت مقولة أبي الشهيد عن تلك البروتوكولات، عندما أعترف الدكتور يوسف في لحظة نشوة، بأن هيمنة اليهود على العالم هي المراد.

الآباء والأبناء

ومن مظاهر الغلو، الأخرى، مسلك كل من “رتيبة” أم الشهيد، وتؤدي دورها “رغدة” وأبي الشهيد. فهي لا تكف عن النواح على ابنها الذي قتله اليهود غدراً، قبل عشرين عاماً. ولا تكف عن صب اللعنات على القوم الكافرين، من بني اسرائيل. وإذا ما لمحت نجمة داود حول رقبة رجل أو امرأة أغمى عليها، أو أصابتها حالة غثيان.

وهو، أي أبو الشهيد، ما أن عرف أن الدكتور يوسف اسرائيلي حتى أصيب بحالة دوار، أعقبتها حالة قيء في دورة المياه، حيث تتبعه الدكتور يوسف، متذرعاً بغسل كفّيه.

ولكن ما أن مسهما الماء، حتى تحول في نظر أبي الشهيد إلى دماء!!

ونفس الغلو نراه متمثلاً في مسلك طارق شقيق الشهيد، ويؤدي دوره خالد النبوي.

فما أن أنقذ “ليزا” الفتاة الاسرائيلية وتؤدي دورها “داليا حسين” من الغرق وأغرته بمعسول الكلام حتى هام بحبها، ونسى حبه الأول حنان ترك.

وما أن عرض عليه الدكتور يوسف أبو ليزا أو عمها لست أدري، وظيفة في اسرائيل بمرتب

شهري قدره عشرة آلاف دولار، حتى ضحى بالوطن والأهل والخلان.

طريق الجحيم

وفي نهاية مفتعلة أشدّ افتعال، يعود دون تمهيد إلى حضن أمه وأبيه، مضحياً من أجل الوطن بآلاف الدولارات، وبفرصة ذهاب لن تعود، إلى أمريكا أرض الأحلام.

والأكيد أن كل هذا الغلو وغيره كثير، قد أساء إلى الفيلم، والأهم أساء إساءة بالغة إلى قضيتنا التي تخلص في عدم التطبيع حتى إزالة آثار العدوان.

وختاماً، فليس عندي ما أقوله سوى ترديد المثل القديم، الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!!