وتحققت الأحلام

فى زمن موغل، بعض الشيء، فى القدم. وتحديدا قبل مائة وخمسين عاما، أو أكثر قليلا.
كان العالم خاليا تماما، من مبتكرات العلم الحديث كان بلا كهرباء، وطبعا بلا سينما، ولا راديو، ولا تليفزيون، ولا كمبيوتر.
فهذه المخترعات، وغيرها كثير، كانت فى علم الغيب، بعيدة عن تصور عامة الناس.
وفى البلاد المتقدمة كان أغلب الناس يسمعون عن مسرحيات غنائية مسارح المدن الكبير، أو دور الأوبرا فى العواصم.
دون ان يكون فى وسعهم مشاهدة ما سمعوا عنه، اما لضيق ذات اليد، واما لانهم يقيمون فى اقاليم بعيدة عن المدن الصاخبة، مثل نيويورك، ولندن، وباريس واستمرد ذلك الحرمان، حتى تكلف السينما (1928)، بعد صمت طويل.
6ef0084ba4 ولذلك لم يكن محصن صدفة أن أول فيلم ناطق، كان فيلما موسيقيا “مغنى الجاز” بطولة آل جولسون محققا بذلك حلم الناس العاديين الذين كثيرا ماسمعوا عن غنائه فى مسارح برودواي، دون ان يكون فى وسعهم مشاهدته، لانهم غير ميسورى الحال، فضلا عن اقامتهم فى ولايات بعيدة عن نيويورك، أو مدن صاخبة اخرى مثل “شيكاغو” و”سان فرنسيسكو”.
وهذه الخطوة الأولي، تبعتها خطوات اخرى كثيرة كانت آخرها. تحقيق حلم الذين كثيرا ما سمعوا بعروض الأوبرا على خشبة مسرح المتروبوليتان بمدينة نيويورك، وتمنوا لو اتيحت لهم فرصة مشاهدتها حية، كما يشاهدها، سكان تلك المدينة.
أما كيف تحقق لهم ما تمنوع، على مدى عقود من عمر الزمان فذلك بفضل الارسال المباشر. عن طريق الأقمار الصناعية، بحيث يرى المشاهد فى القاهرة او باريس او برلين أو غير ذلك من المدن الكبري، الأوبرا وهى تعرض على خشبة مسرح “المِتْ” فى نيويورك، مثله فى ذلك مثل مشاهديها فى ذلك المسرح. وكأنه واحد منهم.
بل انه فضل عن ذلك يمتاز عليهم بلقطات الكاميرا مسلطة على وجوه المغنيين والمغنيات، بحيث تتيح لنا مشاهدة تعبيرات الوجوه فى لحظات الاشراق البهيجة ولحظات المأساة الحزينة.
وبداهة، فتلك التعبيرات مشاهدتها امر غير متاح لمن هم داخل مسرح “المت”، سواء اكانوا جالسين، قريب من خشبة المسرح، أو بعيدا عنها.
وبطبيعة الحال، كل ذلك ما كان ليحدث، لولا اتفاق تم بين ادارة “المت” فى نيويورك، وادارة مجمع الأوبرا فى القاهرة، بحيث يجرى البث المباشر للأوبرا فى مسرح “المت” على نحو تعرض معه فى المسرح الصغير التابع لذلك المجمع فى نفس وقت عرضها فى “المت”.
وكانت أول أوبرا: اشاهدها فى المسرح الصغير، معروضة على هذا النحو، عن طريق البث المباشر.
اوبرا “ريجوليتو” لصاحبها الموسيقار الايطالى الأشهر “قيردي”.
وهى مأخوذة عن مسرحية “الملك يلهو” لصاحبها الروائى والشاعر الفرنسى “ڤبكتورهيجو”.
وكان أول عرض لـ”ريجوليتو” على خشبة مسرح “ڤيتش” بمدينة ڤينيسيا (1851).
وقبل عرضها لاقت اعتراضات من قبل الرقابة مما اضطر ڤيردى الى تغيير مكان وزمان الأحداث، وأسماء بعض الشخصيات، بل واسم الأوبرا، فاذا به “ريجوليتو” بدلا من “اللعنة”.
يبقى لى أن أقول ان اوبرا “ريجوليتو” التى شاهدتها على شاشة بالمسرح الصغير، منقولة بفضل البث المباشر لعرضها بمسرح “المت”، كانت مختلفة عن الأوبرا التى اعتدت مشاهدتها فى الأوبرا القديمة، التى اكلتها النيران، من حيث المكان والزمان.
فمدينة مانتوا بايطاليا ابان قرون غابرة، استبدلت بها مدينة القمار “لاس ڤيجاس” بالولايات المتحدة، ابان ستينيات القرن العشرين.
وفضلا عن ذلك تحول ذوق “مانتوا” الى ثرى صاحب كازينو لهو ولعب “بلاس ڤيجاس”، وكر الشيطان.
ولا يفوتنى هنا، ان اشيد بأوبرا “ريجولينو” فى شكلها الجديد، بديكورات لاس ڤيجاس الفخمة، المبهرة، وبأسلوب اخراجها المنطوى على شيء كثير من الابهار، المنسجم مع روح العصر الحديث.
وذلك فى حد ذاته انجاز كبير!!