كلما تقاصر العمر، واستطال ظل الماضي في حياة الانسان، كلما ازداد رصيده من الأموات.. هذا القول اردده بمناسبة رحيل مشاهير ثلاثة ومفكر كبير ونجمتين. والمفكر الكبير هو أحمد عباس صالح الذي رحل عن دنيانا، قبل بضعة أيام، تاركا لنا أكثر من مؤلف نفيس وأكثر من سيناريو محكم البناء، مستوحي من قصص لنجيب محفوظ ويوسف ادريس »السمان والخريف ـ الشحاذ ـ قاع المدينة«. ومن سوء حظنا ان ترجمة السيناريوهات الثلاثة الي لغة السينما لأمر ما انيطت الي المخرج حسام الدين مصطفي، فكان ان جاءت الافلام المستندة اليها، مفتقدة روح القصص الثلاث، مشوهة فكر مبدعيها.
أما النجمتان فهما »اليدا فاللي« و»هدي سلطان« وكلتاهما لها رصيد ضخم من الافلام. ورغم أن سلطان قد حبتها الطبيعة بحضور آسر فضلا عن موهبة جمعت بين حسن الاداء والغناء وهو أمر نادر الحدوث، رغم ذلك فالتوفيق في اختيار مخرجي افلامها لم يصادفها مثلما صادف »فاللي« نجمة السينما الايطالية. فعكس »سلطان« لعبت »فاللي« ادوارا رئيسية في افلام تعد علامات في تاريخ السينما العالمية، من بينها اذكمر علي سبيل التمثيل »قضية بارادين« لألفريد هتشكوك و»الرجل الثالث« لكارول ريد و»احساس« للوكينو فيسكونتي.
كما لعبت ادوارا مساعدة في افلام لمخرجين موهوبين مثل »بيير باولو بازوليني و»برناردو برتولتشي« و»فالييريو زورليني« وغيرهم كثير، وأترك الماضي الذي يستطيل ظله علي مر الأيام أتركه بفواجعه وأوجاعه مؤثرا الكلام عن الحاضر وما يعتمل فيه من احداث قد يكون لها تأثير علي فن السينما عندنا في مستقبل الأيام، وأبدأ بعمارة يعقوبيان لأقول انه فيلم ضل الطريق الي مهرجان روتردام بهولندا حيث لم يلق ما كان يرجي له من حفاوة واستحسان فكان ان خرج من مضمار المنافسة علي جوائزه غير فائز بأي جائزة ولو صغيرة.
ولعل ذلك يرجع الي ان لجنة تحكيم المهرجان اعتبرته فيلما تقليديا من ذلك النوع من الافلام التي من أجل النجاح تجاريا تعتمد اساسا علي نظام النجوم، ذلك النظام العتيق الذي ابتدعته السينما الايطالية قبل أكثر من تسعين عاما.
وكالمعتاد سرعان ما تبناه مصنع الاحلام في هوليوود، ولا أعرف ما اذا كان الفيلم سيجري عرضه أم لا اثناء مباريات كأس العالم لكرة القدم التي تبدأ اليوم »الجمعة« في ربوع ألمانيا. كل ما اعرفه هو ان منتجي الافلام المصرية في حيرة من امر ما انتجوه من افلام ايعرضونه اثناء المباريات أم لا. وان حيرتهم قد أحدثت فراغا، سارع مصنع الاحلام الي ملئه بأفلام من انتاجه يجري عرضه عندنا في نفس وقت عرضها في بلاد العم سام.
ومن بين هذه الافلام أذكر علي سبيل المثال لا الحصر، »الكارثة« (بسيدون) و»اللعنة 666« وكلاهما مداره موضوع سبق اخراجه الأول قبل أربعة وثلاثين عاما في فيلم اخرجه »رونالدنيم« تحت اسم »مغامرة بسيدون« والثاني قبل ثلاثين عاما بالتمام في فيلم اخرجه »ريتشارد دونر« تحت نفس الاسم و»الكارثة« لا يختلف عن الفيلم القديم الا في اقل القليل وانت كان يتميز عنه بمؤثرات سينمائية تعد، والحق يقال آخر صيحة في هذا المجال. هذا الي ان صاحبه »وولنجانج بيترسون« وهو ألماني سينمائي متمرس في فن اخراج افلام الكوارث البحرية.
فرصيده من هذا النوع من الافلام يشتمل علي رائعتين »الغواصة« (1981) و»العاصفة المميتة« (2000) و»اللعنة « بدوره لا يختلف كثيرا عن الفيلم القديم.
فهو من نوع افلام الرعب التي تلقينا في احضان »فرانكشتين« و»الرجل الذئب« و»مصاص الدماء« والشخص المرعب في »اللعنة« طفل يبدو بريئا مع انه في حقيقة الأمر وجه من أوجه الشيطان أو المسيح الدجال.
وهو يجيء الي دنيانا كما تقول النبوءة في اليوم السادس من الشهر السادس من السنة السادسة من الألفية الجديدة كي يعيث في الأرض فسادا ودمارا.
وأغرب ما عجبت له هو ذلك الإصرار من جانب الشركة المنتجة له علي عرضه في التاريخ المحدد في النبوءة المزعومة »6/6/2006« ونجاحها في تحقيق ما أصرت عليه.
والأكثر غرابة استمرار حيرة منتجي السينما في مصر المحروسة وترددهم ازاء خطر مباريات الكرة، أيواجهونه بالصمود.. أم بالاستسلام؟