في كتابه الصغير والقيم معا، «عصا الحكيم في الدنيا والآخرة»، أبدي «توفيق الحكيم» رأيه في أعداء مصر قائلا: إنهم في حقيقة الأمر «الدجل والتهريج والنفاق» وليس «الفقر والجهل والمرض»، حسبما شاع زمنا طويلا، وأقف عن آفة الدجل قليلا لأقول إنها ليست مقصورة علي مصر، وغيرها من بلدان العالم الثالث، بل هي وبخاصة ما كان منها متصلا اتصالا وثيقا بالدجل المستغل للدين، واسعة الانتشار في أكثر من بلد غني، بما في ذلك الولايات المتحدة ولعل خير دليل علي انتشار تلك الآفة، ذلك الفضح غير المسبوق لها، في رواية «المرجانتري» لصاحبها «سنكلير لويس» الأديب الأمريكي الحائز لجائزة «نوبل» عام 1930.
ومما يعرف عن روايته هذه أنها نشرت في النصف الثاني من عشرينيات القرن العشرين، وتحديدا عام 1927، حيث أحدثت ضجة كبري استمر صداها زمنا طويلا والأمر الغريب المثير للدهشة أنه ورغم أن تلك الرواية لأديب حاصل علي «نوبل» إلا أنه لم تتم ترجمتها الي لغة السينما، إلا بعد نشرها بأربعة عقود، وبالتحديد عام 1960، حيث أسند أمر ترجمتها علي هذا النحو الي «ريتشارد بروكس»، المخرج الأمريكي ذائع الصيت، في ذلك الزمان.
كما أسند الدور الرئيسي في الفيلم، أي دور «المرجانتري» الي النجم «بيرت لانكستر» الذي أحسن الأداء له، علي نحو كان لابد أن ينتهي به فائزا، عن ذلك الأداء بجائزة أوسكار أفضل ممثل رئيسي 1961. ووقتها كان «لانكستر» في أوج مجده، يملك رصيدا مذهلا من روائع الأفلام، أخص من بينها بالذكر فيلم «القتلة»، المأخوذ عن قصة قصيرة للأديب الأمريكي «أرنست هامنجواي»، الذي به بدأ مشواره السينمائي.
أما لماذا تقاعست استديوهات هوليوود عن إنتاج فيلم مستوحي من رواية «المرجانتري» مدة طويلة قاربت نصف القرن من الزمان، فذلك يرجع في أرجح الظن الي تخوف مقترن بالحذر، من رد الفعل الغاضب، المتوقع حدوثه من قبل جماعات الإنجيليين، ودعاتها، الذين سبق لهم التعبير عن ضيقهم الشديد من الرواية، لما انطوت عليه من كشف فاضح لسلوكيات نفر من دعاة تلك الجماعات، وهي حسب رسم الرواية والفيلم المستوحي منها، لشخصية الدجال «المرجانتري» سلوكيات يندي لها الجبين.
ويحضرني هنا، ما حدث بعد ذلك بنحو ربع قرن لفيلم «الإغراء الأخير للسيد المسيح» المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للأديب اليوناني «كازانتزاكيس» صاحب روايتي «والمسيح أعيد صلبه» و«زوربا اليوناني» فقبل الشروع في إنتاجه بذلت الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة عدة محاولات للحيلولة دون ذلك، فلما باءت محاولاتها بالفشل انهمرت علي صانعي الفيلم تهديدات مجهولة المصدر تتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور فإذا ما باءت هي الأخري بالفشل، وجري عرض الفيلم علي نطاق واسع، دعت الكنيسة اتباعها الي مقاطعته دون جدوي، وكان من نتائج حملة معاداة الفيلم علي هذا النحو أن انفلت الأمر، في شكل انفجار قنابل في دور السينما حيث كان يعرض الفيلم بمدينة باريس وغيرها من المدن الأوروبية.
وأعود الي «المرجانتري» لأقول إنه فيلم يدور موضوعه حول دجال «جانتري» وامرأة إنجيلية تبيع الدين، في المدن الصغيرة الأمريكية، المنتشرة بطول وعرض البلاد، وتؤدي دورها الممثلة الانجليزية «جان سيمونز»، والأحداث تبدأ «بجانتري» في حانة حيث نراه سكيرا عربيدا مع رفاق سوء، فاجرا يغازل النساء حتي يوقع إحداهن في حباله، نراها معه صباحا، تشاركه الفراش، ودون أن يوقظها، يغادر الحجرة حتي يلحق بالقطار المتجه الي المدن الصغيرة حيث يقوم بالدعاية لمختلف السلع، الجديد منها والقديم، واللافت في شخصيته أنه ذو حضور آسر، سريع البديهة والكلام حلو الحديث، في وسعه به أن يملك القلوب والعقول.
وأثناء جولاته بين المدن يلتقي بالأخت «شارون فالكونر» الداعية الي إعادة إحياء الدين، والأخذ بتعليماته طريقا للتوبة، والخلاص وسرعان ما ينجذب اليها «جانتري» فينضم الي جماعتها بوصفه واعظا مشاركا في حملتها الداعية الي إعادة إحياء الدين.
هو بقوله للجمهور المستمع إنه عقابا له عما اقترفه من خطايا، سيحرق بنار الجحيم وهي تعد نفس الجمهور بالخلاص فيما لو تاب وأناب.
وبحكم طبائع الأمور كان لابد أن نكتب للقاء مسكون بالتناقضات نهاية فاجعة يشيب من هولها الولدان!!