بالصدفة افلتت السينما المصرية من فك شديد الافتراش فك ما اصطلح علي تسميته بأفلام المقاولات. وها هي الآن يتهددها مرة أخري فك أشد افتراسا، فك ما قد يصطح علي تسميته في مستقبل الأيام، بأفلام العائلات. ولم يكن في عزمي ولا نيتي الكتابة عن خطر ابتلاع هذا الفك الأشد افتراسا للسينما المصرية، لاعتقادي أن خطره لا يزال بعيدا. وهكذا لبثت حتي جاء اليوم الذي في صباحه شاهدت فيلم »عمارة يعقوبيان« المأخوذ عن قصة بنفس الاسم للطبيب الأديب علاء الأسواني هزت مصر الي حين،
ثم سرعان ما جري ترجمتها الي أكثر من لغة حتي أصبحت حديثا من أحاديث الأدب العالمي ربما تحفظه ذاكرة الأيام وقتا يقصر أو يطول.
في ذلك اليوم لفت نظري، وعناوين الفيلم تظهر تباعا علي الشاشة أن منتجه ابن كاتب سيناريو شهير وأن مخرجه مروان حامد هو الآخر ابن كاتب سيناريو مخضرم وأن صاحب سيناريو الفيلم هو ذلك الكاتب المخضرم أي والد مروان. وان نجم النجوم سفير النوايا الحسنة عادل امام يشاركه في الفيلم بأداء أحد الأدوار ابنه محمد امام وأن ابنا آخر تامر عبدالمنعم لإعلامي كبير ذي نفود وتأثير ها هو ذا اسمه ألمحه أثناء ظهور العناوين مع أسماء أخري أغلب الظن ان أصحابها من أبناء كبار الفنانين.
إذن فخطر أن تتحول السينما عندنا الي سينما عائلية يتبادل افلامها الآباء مع الأبناء وربما مع الاحفاد علي حساب الموهوبين المجتهدين ممن شاء لهم حظهم العاثر أن يجدوا انفسهم منبوذين خارج دائرة الأقارب المقربين.
خطر غير بعيد انه والحق يقال اقرب الينا من حبل الوريد، خطر حال وغير قليل وغني عن البيان أن محاباة الأقارب ليست الا جانبا من العلل الفكرية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها مجتمعنا، والسينما بحكم انها جزء لا يتجزأ منه فما يصيبه لابد أن يصيبها إن عاجلا أو آجلا. ولأن داء المحاباة آخذ في التفشي والشيوع بشكل غير مسبوق سواء في المجتمع أو في مرآته السينما، فقد أصبح التغاضي عن كشفه إسهاما في تعميق أزمة المجتمع والسينما معا.
وأعود الي فيلم »عمارة يعقوبيان« وتأثير المحاباة عليه فأجري مقارنة بينه وبين فيلمين تصادف أن شاهدتهما قبله بوقت قصير أحدهما روائي طويل »أوقات فراغ« وصاحبه المخرج »محمد مصطفي«. أما الآخر »البنات دول« فيلم تسجيلي صاحبته المخرجة تهاني راشد، وبداية فكلا المخرجين عرف له التفوق في السينما بفضل مثابرة واجتهاد علي امتداد ربع قرن أو يزيد، من عمر الزمان وبطبيعة الحال فكلاهما تقدمت به السن، حتي جاوز الشباب كثيرا. ورغم ذلك فـ»أوقات فراغ« و»البنات دول« كلاهما يشع حيوية وشبابا. في حين ان »عمارة يعقوبيان« ومخرجه شاب يسير نحو الثلاثين جاء علي العكس من ذلك تماما.
جاء فيلما عجوزا مترهلا لا يشع شيئا وليس أدل علي ذلك من امتداد عرضه الي ثلاث ساعات طوال، لو اختصرت الي ساعتين أو اقل لما فقد الفيلم شيئا ولربما ازداد تماسكا وإحكاما بفضل تخلصه من مشاهد كثيرة دخيلة ليس لها لزوم علي الاطلاق.
ومن بين هذه المشاهد اذكر علي سبيل المثال مشهد صاحبة المطعم »يسرا« وهي تغني بلغة أجنبية لا مرة واحدة وإنما مرات ثلاثا، لم يضف اي منها شيئا سوي الاملال، ومشهد »زكي الدسوقي« ابن البيوتات ـ عادل امام، وهو يراقص »بثينة« ـ هند صبري ـ علي صوت المطربة الفرنسية »اديت بيان« معبودة الجماهير ومشاهد أخري حاول من خلالها وحيد حامد كاتب السيناريو القدير تفسير انحراف الصحفي حاتم رشيد ـ خالد الصاوي.
وضاعة الحاج عزام ـ نور الشريف، وانحطاطه بعد أن أصبح واسع الثراء مستعملا من أجل تحقيق ذلك لقطات عودة الي ماضي الاول، وقت ان كان طفلا وكيف تعرض للاغتصاب، وإلي ماضي الثاني وقت أن كان ماسح احذية رث الثياب. كل هذه المشاهد وغيرها كثير أراها فرضت علي المخرج الشاب صاحب »عمارة يعقوبيان« فأدت الي صيرورته فيلما عجوزا مترهلا، لا يقبل الناس علي مشاهدته الا لأنه فيلم للكبار!!
وختاما يظل لي ان اقول ان معظم ممثلي الفيلم نجوم لهم رصيد ضخم من الافلام والمسلسلات والمسرحيات، وبالتالي فمعظمهم جمد علي اداء معين فلم يستطع ادراك عمق الدور المسند اليه ولم يكن في وسع المخرج الشاب ان يساعده علي ذلك.
والأكيد أنه كان من الأفضل أن يستعين بوجوه جديدة، ولو فعل ذلك لكان الفيلم أكثر نجاحا وبقاء في حافظة الذكريات.
التصنيف: الوفد
صيف الفوضي والتخليط
علي غير المعتاد في أشهر الصيف، لم تحتكر السينما المصرية دور العرض في المحروسة بأفلام أدمنت التفاهة والإسفاف والتهريج الرخيص. حقاً، بدأ موسم هذا النوع من الأفلام بعملين سينمائيين هابطين، أحدهما »زي الهوا« لصاحبه المخرج أكرم فريد، والآخر »الفرقة 16 إجرام« لصاحبه المخرج »حامد سعيد«. وكما كان متوقعاً، كان حظ كليهما من الفشل كبيراً. وأية ذلك عدم استمرار عرضهما في دور السينما سوي بضعة أيام، الأمر الذي عجل بعرض »العيال هربت«، وهو فيلم من نفس عينتها، لكاتب السيناريو »أحمد البيه«، والمخرج »مجدي الهواري« ولكن، وعلي غير عهدنا بموسم الصيف وأفلامه الهابطة، جري ولدهشتنا، عرض أفلام من نوع مختلف، بعضها مصري، ذو طابع جاد، يحاول أن يقول شيئاً مفيداً للناس، حتي وإن لم يصادفه التوفيق وبعضها الآخر أمريكي من نوع الانتاج الضخم، ذلك النوع الذي انفرد بإنتاجه، أوكاد مصنع الأحلام في هوليوود ذات الجلال في كل العهود.
وأقف قليلاً عند أفلامنا التي نجحت في اختراق حاجز الخوف من العرض أثناء أشهر الصيف تحسباً من منافسة خساس الأفلام.
وهي حسب ترتيب عرضها في دور السينما »أوقات فراغ« و»عمارة يعقوبيان« أول فيلم روائي طويل لمخرجه الشاب »مروان حامد« و»عن العشق والهوي« ثالث فيلم روائي طويل لمخرجته الواعدة »كاملة أبوذكري« صاحبة »ملك وكتابة« الفيلم الفائز بأكثر من جائزة في المهرجان القومي للسينما المصرية »2006«.
ولم يكن بين الأفلام الثلاثة فيلم انطوي علي مفاجأة سارة لنا سوي »أوقات فراغ«.
أما لماذا كان مفاجئاً لنا علي نحو جدد الأمل فينا، فذلك لأننا اكتشفنا بفضله أن ثمة عقولاً تفكر ونفوساً تحس بأزمة السينما عندنا، وسبل الخروج بها من النفق المظلم الذي وجدت نفسها محشورة فيه، إلي نور الوعي الحر بحقيقة أوضاعنا التي تزداد تردياً علي مر الأيام ومن بين العقول التي تفكر والنفوس التي تحس أخص بالذكر منتج »أوقات فراغ« وكيف وقع اختياره علي كاتب سيناريو يسير إلي العشرين »عمر جمال«.
وكيف تحمس لشبان توسم فيهم موهبة الحضور وحسن الأداء، ومن فرط حماسه سارع باختيارهم لأداء الأدوار الرئيسية في الفيلم، غير مكترث مما قد يواجه التجربة معهم من مخاطر جسام.
وكيف أناط دون تردد إخراج الفيلم إلي سينمائي مغمور »محمد مصطفي« ظل زهاء ربع قرن من عمر الزمان يعمل لمساعد مخرج، أو بمعني أصح مخرج ظل لمخرجين آخرين يفتقدون الموهبة أو أنصاف موهوبين.
كل ذلك أطلت الكلام فيه لأنني رأيته مفتقداً في »عمارة يعقوبيان«.
والآن أنتقل إلي الأفلام الأمريكية التي تسللت إلي موسم ليس لها فيه مكان، لا أعرف كيف وعلي كل، فهي الكارثة »بسيدون« اللعنة في أعماق الإنسان و»عودة السوبر مان«.
واللافت للنظر في الأفلام الأربعة أن نصفها لا يعدو أن يكون إعادة إنتاج لفيلمين قديمين أحدهما »مغامرة بسيدون« 1972 والآخر »اللعنة« 1976.
ولا يميز الفيلمين الجديدين عن فيلمي سبعينيات القرن العشرين سوي المؤثرات السينمائية المستحدثة والتي تعد وبحق آخر صيحة في مجال أصبح مصير فن السينما مرتهناً به إلي حد كبير.
ومن عجب أن »اللعنة« أكثر الأفلام الأربعة نجاحاً في الشباك.
ولعل ذلك يرجع إلي أن مخرجه »جون مور« أدار الفيلم من البداية وحتي النهاية حول نبوءات شيطانية بلغت فظاعتها مبلغ الأساطير وأحسن إخراجه لها علي نحو كان لابد أن يوقع الكثير في شرك ما انطوت عليه من أوهام.
هذا عن فيلمي النصف الأول، أما النصف الآخر ففيلماه علي العكس من ذلك تماماً كلاهما فيه من الجدة الشيء الكثير ولا غرابة في هذا، ففي أعماق الإنسان مخرجه »سبايك لي« و»عودة السوبرمان« مخرج »بريان سنجر«.
وكلاهما كما هو معروف لعب دوراً كان له بعض التأثير علي مسار السينما في بلاد العم سام و»سبايك لي« من فئة قليلة من المخرجين السود، استطاعت أن تشق طريقها بنجاح في مجال صناعة الأفلام.. وأين؟.. في دغل مصنع الأحلام!!.
فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو يخرج بانتظام ما يريد، وقتما يريد، بعيداً عن تسيد استديوهات هوليوود الكبري.
ومن بين رصيده الحافل بروائع الأفلام »افعل الشيء الصح« 1989 و»حمي الأدغال« 1991 و»مالكولم اكس« 1992 الزعيم الإسلامي الكبير الذي مات مقتولاً، مثله في ذلك مثل »مارتن لوثر كنج« الزعيم المسيحي المناضل ضد التمييز العنصري في الولايات المتحدة.
وأول ما لاحظته وأنا أسترجع أفلامه علي شاشة ذاكرتي أن أحداً منها لم يعرض في مصر عرضاً تجارياً.
ومن هنا الجهل به وبأهميته، وعدم الإقبال علي مشاهدة فيلمه الأخير رغم انعقاد بطولته لكوكبة من الممثلين والممثلات، أذكر من بينهم »دنزل واشنطن« و»جودي فوستر« وكلاهما فاز مرتين بجائزة أوسكار يبقي »عودة السوبرمان«.
ولأن الحديث عنه يطول، أؤجله إلي الأسبوع القادم، حيث أتحدث عنه مع »عودة النذلة« لصاحبه المخرج »سعيد حامد«.
حيرة سينما في حالة ضياع
كلما تقاصر العمر، واستطال ظل الماضي في حياة الانسان، كلما ازداد رصيده من الأموات.. هذا القول اردده بمناسبة رحيل مشاهير ثلاثة ومفكر كبير ونجمتين. والمفكر الكبير هو أحمد عباس صالح الذي رحل عن دنيانا، قبل بضعة أيام، تاركا لنا أكثر من مؤلف نفيس وأكثر من سيناريو محكم البناء، مستوحي من قصص لنجيب محفوظ ويوسف ادريس »السمان والخريف ـ الشحاذ ـ قاع المدينة«. ومن سوء حظنا ان ترجمة السيناريوهات الثلاثة الي لغة السينما لأمر ما انيطت الي المخرج حسام الدين مصطفي، فكان ان جاءت الافلام المستندة اليها، مفتقدة روح القصص الثلاث، مشوهة فكر مبدعيها.
أما النجمتان فهما »اليدا فاللي« و»هدي سلطان« وكلتاهما لها رصيد ضخم من الافلام. ورغم أن سلطان قد حبتها الطبيعة بحضور آسر فضلا عن موهبة جمعت بين حسن الاداء والغناء وهو أمر نادر الحدوث، رغم ذلك فالتوفيق في اختيار مخرجي افلامها لم يصادفها مثلما صادف »فاللي« نجمة السينما الايطالية. فعكس »سلطان« لعبت »فاللي« ادوارا رئيسية في افلام تعد علامات في تاريخ السينما العالمية، من بينها اذكمر علي سبيل التمثيل »قضية بارادين« لألفريد هتشكوك و»الرجل الثالث« لكارول ريد و»احساس« للوكينو فيسكونتي.
كما لعبت ادوارا مساعدة في افلام لمخرجين موهوبين مثل »بيير باولو بازوليني و»برناردو برتولتشي« و»فالييريو زورليني« وغيرهم كثير، وأترك الماضي الذي يستطيل ظله علي مر الأيام أتركه بفواجعه وأوجاعه مؤثرا الكلام عن الحاضر وما يعتمل فيه من احداث قد يكون لها تأثير علي فن السينما عندنا في مستقبل الأيام، وأبدأ بعمارة يعقوبيان لأقول انه فيلم ضل الطريق الي مهرجان روتردام بهولندا حيث لم يلق ما كان يرجي له من حفاوة واستحسان فكان ان خرج من مضمار المنافسة علي جوائزه غير فائز بأي جائزة ولو صغيرة.
ولعل ذلك يرجع الي ان لجنة تحكيم المهرجان اعتبرته فيلما تقليديا من ذلك النوع من الافلام التي من أجل النجاح تجاريا تعتمد اساسا علي نظام النجوم، ذلك النظام العتيق الذي ابتدعته السينما الايطالية قبل أكثر من تسعين عاما.
وكالمعتاد سرعان ما تبناه مصنع الاحلام في هوليوود، ولا أعرف ما اذا كان الفيلم سيجري عرضه أم لا اثناء مباريات كأس العالم لكرة القدم التي تبدأ اليوم »الجمعة« في ربوع ألمانيا. كل ما اعرفه هو ان منتجي الافلام المصرية في حيرة من امر ما انتجوه من افلام ايعرضونه اثناء المباريات أم لا. وان حيرتهم قد أحدثت فراغا، سارع مصنع الاحلام الي ملئه بأفلام من انتاجه يجري عرضه عندنا في نفس وقت عرضها في بلاد العم سام.
ومن بين هذه الافلام أذكر علي سبيل المثال لا الحصر، »الكارثة« (بسيدون) و»اللعنة 666« وكلاهما مداره موضوع سبق اخراجه الأول قبل أربعة وثلاثين عاما في فيلم اخرجه »رونالدنيم« تحت اسم »مغامرة بسيدون« والثاني قبل ثلاثين عاما بالتمام في فيلم اخرجه »ريتشارد دونر« تحت نفس الاسم و»الكارثة« لا يختلف عن الفيلم القديم الا في اقل القليل وانت كان يتميز عنه بمؤثرات سينمائية تعد، والحق يقال آخر صيحة في هذا المجال. هذا الي ان صاحبه »وولنجانج بيترسون« وهو ألماني سينمائي متمرس في فن اخراج افلام الكوارث البحرية.
فرصيده من هذا النوع من الافلام يشتمل علي رائعتين »الغواصة« (1981) و»العاصفة المميتة« (2000) و»اللعنة « بدوره لا يختلف كثيرا عن الفيلم القديم.
فهو من نوع افلام الرعب التي تلقينا في احضان »فرانكشتين« و»الرجل الذئب« و»مصاص الدماء« والشخص المرعب في »اللعنة« طفل يبدو بريئا مع انه في حقيقة الأمر وجه من أوجه الشيطان أو المسيح الدجال.
وهو يجيء الي دنيانا كما تقول النبوءة في اليوم السادس من الشهر السادس من السنة السادسة من الألفية الجديدة كي يعيث في الأرض فسادا ودمارا.
وأغرب ما عجبت له هو ذلك الإصرار من جانب الشركة المنتجة له علي عرضه في التاريخ المحدد في النبوءة المزعومة »6/6/2006« ونجاحها في تحقيق ما أصرت عليه.
والأكثر غرابة استمرار حيرة منتجي السينما في مصر المحروسة وترددهم ازاء خطر مباريات الكرة، أيواجهونه بالصمود.. أم بالاستسلام؟