فيلم انصفه الزمان

قبل بضعة أسابيع صوت حوالي مائة مليون شخص، فى مشارق الارض ومغاربها على اختيار عجائب الدنيا السبع الجديدة. وذلك يعد مرور قرابة الفى عام، على اختيار «هيرودوت» المؤرخ الاغريقى. ذائع الصيت، لعجانب الدنيا فى زمانه، الموغل فى القدم، عندها كان البحر المتوسط مركز الحضارة، أو هكذا كنا نظن ومنبع الاساطير.
وكان من بين أهم العجائب السبع فى تقدير ابو التاريخ، فنار الاسكندرية، والاهرامات الثلاثة الاثر الوحيد الذى استطاع، حتى يومنا هذا، مقاومة عاديات الزمان ولقد تعمد منظمو الحدث، ان يعلن عن العجائب السبع الجديدة فى اليوم السابع من الشهر السابع من ٢٠٠٧ “7.7.2007“
وهذا الحدث، المنظم على هذا النحو، الطريف، ليس امرا غير مسبوق، في عصرنا الحديث فما اكثر التظاهرات التى من هذا النوع، بالنسبة لجميع الفنون، وبخاصة فن السينما، حتى اصبح الامر تقليدا٠
فمن حين لأخر، تجرى استطلاعات رأى عن عشرة افلام، أو مانة فيلم، أو الف فيلم فى تاريخ الفن السابع.
ومن بين اقدم تلك الاستطلاعات، واكثرها جدية ذلك الاستطلاع الذى تجريه كل عشرة أعوام، مجلة «سايت اند ساوند» «صورة وصوت» احدى أهم الدوريات السينمائية البريطانية ولها من العمر الآن خمسة وسبعون عاما.
وفى استطلاعها الاخير قبل خمسة أعوام لاختيار الافلام العشرة الاولى والمخرجين العشرة الاوائل.
وهو استطلاع تجريه بدءا من عام ١٩٩٢ بين النقاد والمخرجين، كل على حدة جاءت نتيجة استطلاع كلا الفئتين، لصالح فيلم «المواطن كين» «١٩٤١» اذ احتل المركز الاول بين الافلام العشرة وبفضل ذلك الفوز، احتفظ بنفس المركز السابق له الفوز به بموجب استطلاعى ١٩٨٢ و ١٩٩٢.
كما جاءت النتيجة لصالح مخرج «المواطن كين» السينمائى «اورسون ويلز».
اذ فاز هو الآخر بالمركز الاول بين المخرجين العشرة الاوائل.
وأول ما يلاحظ على قائمة الافلام العشرة ان من بينها ستة افلام امريكية، هى حسب ترتيب الاصوات الفائزة بها٠
(١) «المواطن كين»
(٢) «دوار» لصاحبه «الفريد هتشكوك» عام ١٩٥٨
(٤) «الاب الروحى» (جزء أول وثانى). لصاحبه المخرج فرانسيس فورد كوبولا ١٩٧٢ / ١٩٧٤.
(٦) «اوديسية الفضاء» ٢٠٠١ لصاحبه المخرج ستانلى كوبريك ١٩٦٨
(٨) «الشروق» لصاحبه المخرج «فردريك مورناو ١٩٢٧.
(١٠) «الغناء تحت المطر» لصاحبيه المخرجين «جين كيلى» و«ستانلى دونن» ١٩٥١.
أما الافلام الاربعة الباقية فاحدها، وهو الثالث فى الترتيب فيلم فرنسى «قواعد اللعبة» لصاحبه المخرج «جان رينوار» ١٩٣٩.
وآخر وترتيبه الخامس، فيلم يابانى «قصة من طوكيو» لصاحبه المخرج «ياسوجير اوزو» ١٩٥٣.
يبقى فيلمان، هما السابع والتاسع فى الترتيب اولهما «المدرعة بوتيمكين» لصاحبه المخرج الروسى «سيرجيى ايزنشتين» ١٩٢٥، وثانيهما «ثمانية ونصف» لصاحبه الخرج الايطالى «فيديريكو فيللينى» ١٩٦٣.
والحديث عن الافلام العشرة وبيان اسباب فوزها، حديث يطول ويكاد يكون مستحيلا لضيق المجال.
لذلك ساكتفى بالحديث عن الفيلم المتصدر قائمة الافلام العشره، وهو «المواطن كين».
بداية، قد يكون من المفيد ان اذكر ان اعضاء معهد الفيلم الامريكى – وهم كثر – اختاروا في استطلاع رأى جرى عام ١٩٧٧ – الافلام الامريكية العشرة الأولى.
وقد احتل المركز الاول فى ذلك الاستطلاع فيلم «ذهب مع الريح»، واحتل المركز الثانى «المواطن كين»٠
بعد ذلك بعشرة أعوام جرى استطلاع ثان، كانت نتيجته لغير صالح «ذهب مع الريح». اذ جاء ترتيبه الرابع، فى حين قفز «المواطن كين» إلى المركز الاول، وظل محتفظا بمركزه هذا فى استطلاع معهد الفيلم الامريكى الذى اجراه قبل بضعة أسابيع فى حين تقهقر الى المركز السادس «ذهب مع الريح».
والسؤال ما السر فى صعود «المواطن كين» إلى القمة مؤيدا من اعضاء معهد الفيام الامريكى. وعددهم خمسة وثلاثون أو يزيد، ومن اغلب نقاد السينما، وكبار المخرجين٠
الحق، انه ليس ثمة سر فى ذلك الصعود. كل ما هنالك انه في مجال الفن، وعكس الحال في المجالات الاخرى، العملة الفنية الجيدة تطرد العملة الرديئة، بفضل غربال الزمان.
قبل ستة وستين عام، لم يحصل «المواطن كين» من جوائز اوسكار الا على جائزة أفضل سيناريو مبتكر.
وقتها (١٩٤١) كان هو وفيلم «كم كان وادينا اخضر» لصاحبه لجون فورد فرسا رهان.
فكلاهما كان مرشحا لجوائز اوسكار كثيرة «المواطن لتسع جوائز» و«الوادى الاخضر لعشر جوائز اوسكار».
وفى حين لم يفز فيلم «اورسون ويلز» الا يجائزة واحدة يتيمة فاز فيلم «فورد» بخمس جوائز من بينها جوائز أفضل فيلم ومخرج وتصوير ولم يكن ذلك بالفوز الاول «لفورد»، بل كان الفوز الثالث.
اذ سبق له الفوز بجائزة اوسكار أفضل مخرج عن فيلم «الواشى» ١٩٣٥، ثم عن فيلم «أعناب الغضب»١٩٤٠.
والآن وبعد ثلثى قرن من عمر الزمان. اختفى اسم «فورد»، وأى فيلم له من قائمتى أفضل عشرة مخرجين وافلام.
وصعد «ويلز» وفيلمه «المواطن كين» فى القائمتين إلى المرتبة الاولى.
يبقى لى ان اقول ان «ويلز» لم يكن له من العمر وقت اخراجه «المواطن كين» سوى خمسة وعشرين عاما٠
والاغرب ان معظم طلبة معهد السينما عندنا لم يروا «المواطن كين».
ولم يسمعوا ان ثمة ساحرا اسمه «اورسون ويلز»٠
وان فن السينما مدين لسحره بالكثير!!

عمارة يعقوبيان أو سينما البساط الأحمر في مهرجان كان

جاء الصيف بحره اللعين، ومع مجيئه بدأت مباريات كأس العالم على أرض المانيا وبدأت تظهر على شاشات السينما بأرض المحروسة الأفلام المصرية المرتهن نجاحهاً تجارياً بالعرض أثناء فصل الصيف. وكانت البداية بفيلمين كان حظهما من النجاح أقل من القليل وهما “زي الهوا” لصاحبه المخرج “أكرم فريد” و”الفرقة 16 إجرام” لصاحبه المخرج حامد سعيد ولم ينقذ السينما المصرية بعد كارثة هذين الفيلمين، من الانحدار إلى ما هو اسوأ، وأضل سبيلاً سوى فيلمين.

الفيلم المفاجأة

أحدهما كان مفاجئاً لكل من شاهده متفرجاً كان أم ناقداً، وذلك لتميزه بروعة الاخراج وحسن الأداء رغم أنه أول فيلم روائي طويل لمخرجه محمد مصطفى وأول فيلم لأبطاله الشبان الأربعة (أحمد حاتم – عمروعابد – كريم قاسم – أحمد حداد) فضلاً عن أن تكلفة انتاجه من الجنيهات لم تتجاوز الثلاثة ملايين، وهو بكل المعايير مبلغ ضئيل.. هذا الفيلم المفاجأة هو “أوقات فراغ”.

أما الفيلم الآخر فهو “عمارة يعقوبيان” لصاحبه المخرج الشاب “مراوان حامد”، وفيما عدا أن “عمارة يعقوبيان” أول فيلم روائي طويل لمروان، شأنه في ذلك شأن “محمد مصطفى” مع “أوقات فراغ”، فيما عدا ذلك، فكلا الفيلمين يختلف عن الآخر في كل شيء.

شباب وشيخوخة

فأوقات فراغ مأخوذ عن سيناريو مبتكر لشاب “عمر جلال” ليس له من العمر سوى عشرين عاماً إلا قليلاً في حين أن سيناريو العمارة استوحاه كاتب السيناريو المخضرم “وحيد حامد” من قصة بنفس اسم الفيلم من تأليف الطبيب الأديب “علاء الاسواني” وعلاوة على ذلك “فعمارة يعقوبيان” من أفلام ما يسمى بالانتاج الضخم ذلك النوع من الأفلام الذي صرف على انتاجه والدعاية له عشرات الملايين من الجنيهات ولعل فيما تقوله أبواق الدعاية له تأييداً لذلك فماذا قالت؟

اعلان في شكل إعلام

قالت، ولاتزال تقول في أكبر حملة دعاية لفيلم في تاريخ السينما بديار مصر، أنه كلف منتجيه مبالغ طائلة، وصلت إلى خمسة وعشرين مليوناً من عزيز الدولارات أي ما يعادل بعملتنا حوالي مائه وخمسين مليون جنيه. ومن بين التكاليف أذكر على سبيل المثال فرش البساط الأحمر لنجوم الفيلم على سلالم قصر العروض بمهرجان كان وعلى العكس تماماً من “أوقات فراغ” جاء “عمارة يعقوبيان” فيلماً متضخماً بالنجوم وليس أدّل على ذلك من أنه في عداد ممثليه وممثلاته يدخل سبعة من نجوم المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون وهم حسب ترتيب الحروف الابجدية (أحمد بدير- أحمد راتب – عادل إمام – نور الشريف – هند صبري – يحيي الفخراني (بصوته) – ويسرا) والفيلم يبدأ بصوت الفخراني دون أن نراه، راوياً تارخ العمارة باختصار.

الحنين لم يعد كما كان

واللافت للنظر فيما رواه عنها بدءاً من تشييدها إبان عشرينيات القرن العشرين أنه ملئ بالحنين لعهد جميل، اطفأت شمعته ثورة الثالث والعشرين.

وفي الساعات الثلاث التالية لذلك الحنين امتزج الجنس بالسياسة بالدين إلى حد التخليط وإلى حد التبرير وإن كان بشيء من الاستحياء للإرهاب متمثلاً في الفتى ابن بواب العمارة ويؤدي دوره في الفيلم “محمد إمام” ابن نجم النجوم وسفير النوايا الحسنه “عادل إمام”!!

وكم ذا بالسينما المصرية من المفارقات والمضحكات!!