أيام فى حياة صائد الألغام

كان القائد الملهم، والمخلص المنتظر لأمة العرب، كما كان يحلو “لصدام حسين” ان يطلق على نفسه، يفتقر الى الدهاء اللازم للنجاة مما كان يدبر له، فى العلن والخفاء ففى وقت كان يجرى فيه الاعداد، بواشنطن ولندن، وعواصم أخري، لغزو العراق كان “صدام” غارقا فى اوهام المراهنة على ان الرئيس الامريكى السابق “جورج بوش الابن” لن يضغط على الزناد وهنا، قد يكون من المفيد، التذكير بانه عشية عملية غزو العراق، قبل عشرة أعوام، وتحديدا يوم التاسع عشر من مارس، كان سبعون فى المائة من الشعب الامريكى يؤيدون الاطاحة بنظام صدام غير ان ذلك التأييد لم يستمر طويلا فما ان تعرض المبرر الرئيسى للغزو لضربة قاضية، فى خريف عام 2004، وهو امتلاك نظام صدام اسلحة دمار شامل، وذلك بفضل ما جاء فى تقرير كبير مفتشى ذلك النوع من الاسلحة، وحاصلة عدم امتلاك نظام صدام لاى مخزون منها حتى تبخر، تبعا لما تقدم، تأييد الرأى العام الامريكى لغزو العراق، وتحول فى غمضة عين، الى استياء عام ولكن مهندس الغزو، سرعان ما استعاضوا بذريعة أخري، غير ذريعة اسلحة الدمار الشامل فقدموا هدفا مبتكرا للغزو، هو اصلاح العراق على نحو يصبح معه نموذجا ديموقراطيا يحتذى فى العالم العربي، مخفين بذلك لتقديم الهدف الحقيقى من الغزو، ألا وهو تقسيم العراق طائفيا وعرقيا، بين شيعة وسنة واكراد وكان حتما، ان ينعكس اثر ذلك الهدف الخفي. اولا ازدياد خسائر قوات الاحتلال، كرد فعل للفتنة الطائفية، المستعان على تحقيقها بالكتمان. وثانيا تحول هو الاغرب من نوعه فى معسكر الاحرار بالولايات المتحدة، تمثل فى السخرية من فكرة تحقيق الديموقراطية، فى بلد عربي، يدين اهله بالاسلام. وثالثا انتاج استديوهات هوليوود لافلام عديدة معادية لغزو العراق غير ان اللافت فى تلك الافلام، انها جاءت، فى مجموعها، مشوبة بعيبين رئيسيين أحدهما السطحية المفرطة، على نحو افقدها القدرة على الاقناع والآخر الخضوع للاهواء السياسية، وبخاصة اهواء الحزب الديموقراطى المعارض، مما كان سببا فى فشل الافلام، فنيا وتجاريا والغريب انه لم ينج من ذلك الفشل الذريع، سوى فيلم واحد ذلك الفيلم اليتيم هو “صائد الالغام” المعروف عندنا، تحت اسم “خزينة الألم” حقا، لم ينجح تجاريا، غير انه حقق نجاحا فنيا، فاق كل التوقعات. فاز بالعديد من جوائز اوسكار، واخص من بينها بالذكر “جائزتى افضل فيلم ومخرج، التى فازت بها كاترين بيحلو”.
 وبذلك كانت أول مخرجة تفوز بجائزة الاوسكار اما لماذا توجت بذلك الفوز الاول من نوعه فى تاريخ الاوسكار على مدى نحو ثمانين عاما، فذلك لأن فيلمها يشع ذكاء، وشجبا للحرب، بوصفها حدثا كارثيا، وناقضا لطبيعة الانسان فليس صدفة ان تبدأ اولى لقطات فيلمها الرائع بمقتطف من كلمتين “الحرب مخدر”، يظهر على الشاشة ويعنى أن الحرب، تصبح بالاعتياد على ممارستها، شكلا من اشكال الإدمان المقيث وان يكون بطل الفيلم “ويليم جيمس” رقيبا محترفا ومهمته كشف الالغام، وتفجيرها، فى العاصمة بغداد وفى سبيل اداء مهمته على خير وجه، يواجه المخاطر باعصاب من حديد، مؤثرا الوصول بحياته الى حافة الهاوية، على العيش مستسلما لحياة هادئة، كما يعيشها عامة الناس.